الْبُرُوجِ: 1 وَقِيلَ حُبُكُهَا صِفَاقُهَا يُقَالُ فِي الثَّوْبِ الصَّفِيقِ حَسَنُ الْحُبُكِ وَعَلَى هَذَا فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ الطَّارِقِ: 11 لِشِدَّتِهَا وَقُوَّتِهَا هذا مَا قِيلَ فِيهِ.
الْبَحْثُ الثَّانِي: فِي الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ وَفِي تَفْسِيرِهِ أَقْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ كُلُّهَا مُحْكَمَةٌ الْأَوَّلُ: إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ، فِي حَقِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تارة تقولون إِنَّهُ أَمِينٌ وَأُخْرَى إِنَّهُ كَاذِبٌ، وَتَارَةً تَنْسُبُونَهُ إِلَى الْجُنُونِ، وَتَارَةً تَقُولُونَ إِنَّهُ كَاهِنٌ وَشَاعِرٌ وَسَاحِرٌ، وَهَذَا مُحْتَمَلٌ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ إِذْ لَا حَاجَةَ إِلَى الْيَمِينِ عَلَى هَذَا، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ حَتَّى يُؤَكِّدَ بِيَمِينٍ الثَّانِي: إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ أَيْ غَيْرِ ثَابِتِينَ عَلَى أَمْرٍ وَمَنْ لَا يَثْبُتُ عَلَى قَوْلٍ لَا يَكُونُ مُتَيَقِّنًا فِي اعْتِقَادِهِ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى، وَالسَّمَاءِ إِنَّكُمْ غَيْرُ جَازِمِينَ فِي اعْتِقَادِكُمْ وَإِنَّمَا تُظْهِرُونَ الْجَزْمَ لِشِدَّةِ عِنَادِكُمْ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِيهِ فَائِدَةٌ وَهِيَ أَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّكَ غَيْرُ صَادِقٍ فِي قَوْلِكَ، وَإِنَّمَا تُجَادِلُ وَنَحْنُ نَعْجِزُ عَنِ الْجَدَلِ قَالَ: وَالذَّارِياتِ ذَرْواً أَيْ إِنَّكَ صَادِقٌ وَلَسْتَ مُعَانِدًا، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: بَلْ أَنْتُمْ وَاللَّهِ جَازِمُونَ بِأَنِّي صَادِقٌ فَعَكَسَ الْأَمْرَ عَلَيْهِمْ الثَّالِثُ: إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ، أَيْ مُتَنَاقِضٍ، أَمَّا فِي الْحَشْرِ فَلِأَنَّكُمْ تَقُولُونَ لَا حَشْرَ وَلَا حَيَاةَ بَعْدَ الْمَوْتِ ثُمَّ تَقُولُونَ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ، فَإِذَا كَانَ لَا حَيَاةَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا شُعُورَ لِلْمَيِّتِ، فَمَاذَا يُصِيبُ آبَاءَكُمْ إِذَا خَالَفْتُمُوهُمْ؟ وَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا مِمَّنْ يَقُولُونَ بِأَنَّ بَعْدَ الْمَوْتِ عَذَابًا فَلَوْ/ عَلِمْنَا شَيْئًا يَكْرَهُهُ الْمَيِّتُ يُبْدَى فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِكُمْ إِنَّا لَا نَنْسُبُ آبَاءَنَا بَعْدَ مَوْتِهِمْ إِلَى الضَّلَالِ، وَكَيْفَ وَأَنْتُمْ تَرْبِطُونَ الرَّكَائِبَ عَلَى قُبُورِ الأكابر، وأما في التوحيد فتقولون خالق السموات وَالْأَرْضِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى لَا غَيْرُهُ ثُمَّ تَقُولُونَ هُوَ إِلَهُ الْآلِهَةِ وَتَرْجِعُونَ إِلَى الشِّرْكِ، وَأَمَّا فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَقُولُونَ إِنَّهُ مَجْنُونٌ ثُمَّ تَقُولُونَ لَهُ إِنَّكَ تَغْلِبُنَا بِقُوَّةِ جَدَلِكَ، وَالْمَجْنُونُ كَيْفَ يَقْدِرُ عَلَى الْكَلَامِ الْمُنْتَظِمِ الْمُعْجِزِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ من الأمور المتناقضة. ثم قال تعالى:
سورة الذاريات (51) : آية 9يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9)
وَفِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: أَنَّهُ مَدْحٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، أَيْ يُؤْفَكُ عَنِ الْقَوْلِ الْمُخْتَلِفِ وَيُصْرَفُ مِنْ صُرِفَ عَنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ وَيُرْشَدُ إِلَى الْقَوْلِ الْمُسْتَوِي وَثَانِيهَا: أَنَّهُ ذَمٌّ مَعْنَاهُ يُؤْفَكُ عَنِ الرَّسُولِ ثَالِثُهَا: يُؤْفَكُ عَنِ الْقَوْلِ بِالْحَشْرِ رَابِعُهَا:
يُؤْفَكُ عَنِ الْقُرْآنِ وَقُرِئَ يُؤْفَنُ عَنْهُ مَنْ أُفِنَ أَيْ يُحْرَمُ وَقُرِئَ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أَفَكَ أَيْ كَذَبَ. ثُمَّ قال تعالى:
سورة الذاريات (51) : آية 10قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10)
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ الذاريات: 8 أَنَّهُمْ غَيْرُ ثَابِتِينَ عَلَى أَمْرٍ وَغَيْرُ جَازِمِينَ بَلْ هُمْ يَظُنُّونَ وَيَخْرُصُونَ، وَمَعْنَاهُ لُعِنَ الْخَرَّاصُونَ دعاء عليهم بمكروه. ثم وصفهم فقال:
سورة الذاريات (51) : آية 11الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ (11)
وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهُمَا لَفْظِيَّةٌ وَالْأُخْرَى مَعْنَوِيَّةٌ.
أَمَّا اللَّفْظِيَّةُ: فَقَوْلُهُ ساهُونَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ، وَالْمُبْتَدَأُ هُوَ قَوْلُهُ هُمْ وَتَقْدِيرُهُ هُمْ كَائِنُونَ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ، كَمَا يُقَالُ زَيْدٌ جَاهِلٌ جائز لا على قصد وصف الجاهل بالجائز، بَلِ الْإِخْبَارِ بِالْوَصْفَيْنِ