الْمُزَّمِّلِ: 20 نَقُولُ: سَوْفَ وَالسِّينُ لَيْسَا بِمَعْنًى غَيْرَ اخْتِصَاصِ الْفِعْلِ بِالِاسْتِقْبَالِ وَأَنْ وَلَنْ بِمَعْنًى لَا يَصِحُّ إِلَّا فِي الِاسْتِقْبَالِ فَلَمْ يَثْبُتْ بِالسِّينِ إِلَّا الِاسْتِقْبَالُ وَلَمْ يَثْبُتْ بِهِ مَعْنًى فِي الِاسْتِقْبَالِ وَالْمُنْتَظَرُ هُوَ مَا فِي الِاسْتِقْبَالِ لَا نَفْسُ الِاسْتِقْبَالِ، مِثَالُهُ إِذَا قُلْتَ أَعْبُدُ اللَّهَ كَيْ يَغْفِرَ لِي أَوْ لِيَغْفِرَ لِي أَثْبَتَتْ كَيْ غَرَضًا وَهُوَ الْمَغْفِرَةُ، وَهِيَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِنَ الزَّمَانِ، وَإِذَا قُلْتَ: أَسْتَغْفِرُكَ رَبِّي أَثْبَتَتِ السِّينُ اسْتِقْبَالَ الْمَغْفِرَةِ، وَفَرْقٌ بَيْنَ مَا يَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنَ الْكَلَامِ بَيَانَ الِاسْتِقْبَالِ، لَكِنَّ الِاسْتِقْبَالَ لَا يُوجَدُ إِلَّا فِي مَعْنًى فَأَتَى بِالْمَعْنَى لِيُبَيِّنَ بِهِ الِاسْتِقْبَالَ وَبَيْنَ مَا يَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ مَعْنًى فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَتَذْكُرُ الِاسْتِقْبَالَ لِتُبَيِّنَ محل مقصودك. ثم قال تعالى:
سورة الطور (52) : آية 46يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (46)
لَمَّا قَالَ: يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الطُّورِ: 45 وَكُلُّ بَرِّ وَفَاجِرٍ يُلَاقِي يَوْمَهُ أَعَادَ صِفَةَ يَوْمِهِمْ وَذَكَرَ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ يَوْمُهُمْ عَنْ يَوْمِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: يَوْمَ لَا يُغْنِي وَهُوَ يُخَالِفُ يَوْمَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِيهِ يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ الْمَائِدَةِ: 119 وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي يَوْمَ لَا يُغْنِي وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: بدل عن قوله يَوْمَهُمُ الطور: 45 ثَانِيهِمَا: ظَرْفُ يُلاقُوا أَيْ يُلَاقُوا يَوْمَهُمْ يَوْمَ، فَإِنْ قِيلَ هَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْيَوْمُ فِي يَوْمٍ فَيَكُونَ الْيَوْمُ ظَرْفَ الْيَوْمِ نَقُولُ هُوَ عَلَى حَدِّ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ يَأْتِي يَوْمُ قَتْلِ فُلَانٍ يَوْمَ تُبَيَّنُ جَرَائِمُهُ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا بَحْثَ الزَّمَانِ وَجَوَازَ كَوْنِهِ ظَرْفًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَئِذٍ وَجَوَازُ إِضَافَةِ الْيَوْمِ إِلَى الزَّمَانِ مَعَ أَنَّهُ زَمَانٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ وَلَمْ يَقُلْ يَوْمَ لَا يُغْنِيهِمْ كَيْدُهُمْ مَعَ أَنَّ الْإِغْنَاءَ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ لِفَائِدَةٍ جَلِيلَةٍ وَهِيَ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ أَغْنَانِي كَذَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ نَفَعَنِي، وَقَوْلَهُ أَغْنَى عَنِّي يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ دَفَعَ عَنِّي الضَّرَرَ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَغْنَانِي مَعْنَاهُ فِي الْحَقِيقَةِ أَفَادَنِي غَيْرَ مُسْتَفِيدٍ وَقَوْلَهُ: أَغْنَى عَنِّي، أَيْ لَمْ يُحْوِجْنِي إِلَى الْحُضُورِ فَأَغْنَى غَيْرِي عَنْ حُضُورِي يَقُولُ مَنْ يُطْلَبُ لِأَمْرٍ: خُذُوا عَنِّي وَلَدِي، فَإِنَّهُ يُغْنِي عَنِّي أَيْ يُغْنِيكُمْ عَنِّي فَيَدْفَعُ عَنِّي أَيْضًا مَشَقَّةَ الْحُضُورِ فَقَوْلُهُ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ أَيْ لَا يَدْفَعُ عَنْهُمُ الضَّرَرَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ لَا يَدْفَعُ عَنْهُمْ ضَرَرًا أَبْلَغُ مِنْ قَوْلِهِ لَا يَنْفَعُهُمْ نَفْعًا وَإِنَّمَا فِي الْمُؤْمِنِ لَوْ قَالَ يَوْمَ يُغْنِي عَنْهُمْ صِدْقُهُمْ لَمَا فُهِمَ مِنْهُ نَفْعُهُمْ فَقَالَ: يَوْمُ يَنْفَعُ الْمَائِدَةِ: 119 كَأَنَّهُ قَالَ يَوْمَ يُغْنِيهِمْ/ صِدْقُهُمْ، فَكَأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ فِي الْمُؤْمِنِ يُغْنِيهِمْ وَفِي الْكَافِرِ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ وَهُوَ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلَّا مَنْ يَكُونُ عِنْدَهُ مِنْ عِلْمِ الْبَيَانِ طَرَفٌ وَيَتَفَكَّرُ بِقَرِيحَةٍ وَقَّادَةٍ آيَاتِ اللَّهِ وَوَفَّقَهُ اللَّهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْأَصْلُ تَقْدِيمُ الْفَاعِلِ عَلَى الْمَفْعُولِ وَالْأَصْلُ تَقْدِيمُ الْمُضْمَرِ عَلَى الْمُظْهَرِ، أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الْفَاعِلَ مُتَّصِلٌ بِالْفِعْلِ وَلِهَذَا قَالُوا فَعَلْتُ فَأَسْكَنُوا اللَّامَ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَرْبَعُ مُتَحَرِّكَاتٍ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَالُوا ضَرَبَكَ وَلَمْ يُسَكِّنُوا لِأَنَّ الْكَافَ ضَمِيرُ الْمَفْعُولِ وَهُوَ مُنْفَصِلٌ، وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْمُضْمَرِ فَلِأَنَّهُ يَكُونُ أَشَدَّ اخْتِصَارًا، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ضَرَبَنِي زَيْدٌ يَكُونُ أَقْرَبَ إِلَى الِاخْتِصَارِ مِنْ قَوْلِكَ ضَرَبَ زَيْدٌ إِيَّايَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ اخْتِصَارٌ كقولك مربي زيد ومربي فَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ الْفَاعِلِ، وَهَاهُنَا لَوْ قَالَ يَوْمَ لَا يُغْنِيهِمْ كَيْدُهُمْ كَانَ الْأَحْسَنُ تَقْدِيمَ الْمَفْعُولِ، فَإِذَا قَالَ يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ صَارَ كَمَا قُلْنَا فِي مَرَّ زَيْدٌ بِي فَلِمَ لَمْ يُقَدِّمِ الْفَاعِلَ، نَقُولُ فِيهِ فَائِدَةٌ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ عِلْمِ الْبَيَانِ، وَهُوَ أَنَّ تَقْدِيمَ الْأَهَمِّ أَوْلَى فَلَوْ قَالَ يَوْمُ لَا يُغْنِي كَيْدُهُمْ كَانَ السَّامِعُ لِهَذَا الْكَلَامِ رُبَّمَا يَقُولُ لَا يغني