الْحُوتِ
الْقَلَمِ: 48 وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا فِيهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُمْ يَكِيدُونَهُ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي فِي الْعُرْفِ الْمُبَادَرَةَ إِلَى إِهْلَاكِهِمْ لِئَلَّا يَتِمَّ كَيْدُهُمْ فَقَالَ: اصْبِرْ وَلَا تَخَفْ، فَإِنَّكَ مَحْفُوظٌ بِأَعْيُنِنَا ثَانِيهَا: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فَاصْبِرْ وَلَا تَدْعُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّكَ بِمَرْأًى مِنَّا نَرَاكَ وَهَذِهِ الْحَالَةُ تَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ عَلَى أَفْضَلِ مَا يَكُونُ مِنَ الْأَحْوَالِ لَكِنَّ كَوْنَكَ مُسَبِّحًا لَنَا أَفْضَلَ مِنْ كَوْنِكَ دَاعِيًا عَلَى عِبَادٍ خَلَقْنَاهُمْ، فَاخْتَرِ الْأَفْضَلَ فَإِنَّكَ بِمَرْأًى مِنَّا ثَالِثُهَا: أَنَّ مَنْ يَشْكُو حَالَهُ عَنْدَ غَيْرِهِ يَكُونُ فِيهِ إِنْبَاءٌ عَنْ عَدَمِ عِلْمِ الْمَشْكُوِّ إِلَيْهِ بِحَالِ الشَّاكِي فَقَالَ تَعَالَى: اصْبِرْ وَلَا تَشْكُ حَالَكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا نَرَاكَ فَلَا فَائِدَةَ فِي شَكْوَاكَ، وَفِيهِ مَسَائِلُ مُخْتَصَّةٌ بِهَذَا الْمَوْضِعِ لَا تُوجَدُ فِي قَوْلِهِ فَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ طَه: 130 .
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اللَّامُ فِي قَوْلِهِ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ تَحْتَمِلُ وُجُوهًا: الْأَوَّلُ: هِيَ بِمَعْنَى إِلَى أَيِ اصْبِرْ إِلَى أَنْ يَحْكُمَ اللَّهُ الثَّانِي: الصَّبْرُ فِيهِ مَعْنَى الثَّبَاتِ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ فَاثْبُتْ لِحُكْمِ رَبِّكَ يُقَالُ/ ثَبَتَ فُلَانٌ لِحَمْلِ قَرْنِهِ الثَّالِثُ:
هِيَ اللَّامُ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى السَّبَبِ يُقَالُ لِمَ خَرَجْتَ فَيُقَالُ لِحُكْمِ فُلَانٍ عَلَيَّ بِالْخُرُوجِ فَقَالَ: وَاصْبِرْ وَاجْعَلْ سَبَبَ الصَّبْرِ امْتِثَالَ الْأَمْرِ حَيْثُ قَالَ وَاصْبِرْ لِهَذَا الْحُكْمِ عَلَيْكَ لَا لِشَيْءٍ آخَرَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ هَاهُنَا بِأَعْيُنِنا وَقَالَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي طَه: 39 نَقُولُ لَمَّا وَحَّدَ الضَّمِيرَ هُنَاكَ وَهُوَ يَاءُ الْمُتَكَلِّمِ وحده وَحَّدَ الْعَيْنَ وَلَمَّا ذَكَرَ هَاهُنَا ضَمِيرَ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ بِأَعْيُنِنا وَهُوَ النُّونُ جَمَعَ الْعَيْنَ، وَقَالَ: بِأَعْيُنِنا هَذَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَلِأَنَّ الْحِفْظَ هَاهُنَا أَتَمُّ لِأَنَّ الصَّبْرَ مَطِيَّةُ الرَّحْمَةِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ اجْتَمَعَ لَهُ النَّاسُ وَجَمَعُوا لَهُ مَكَايِدَ وَتَشَاوَرُوا فِي أَمْرِهِ، وَكَذَلِكَ أَمَرَهُ بِالْفُلْكِ وَأَمَرَهُ بِالِاتِّخَاذِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَحَفَظَهُ مِنَ الْغَرَقِ مَعَ كَوْنِ كُلِّ الْبِقَاعِ مَغْمُورَةً تَحْتَ الْمَاءِ تَحْتَاجُ إِلَى حِفْظٍ عَظِيمٍ فِي نَظَرِ الْخَلْقِ فَقَالَ بِأَعْيُنِنا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: مَا وَجْهُ تَعَلُّقِ الْبَاءِ هَاهُنَا قُلْنَا قَدْ ظَهَرَ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، أَمَّا إِنْ قُلْنَا بِأَنَّهُ لِلْحِفْظِ فَتَقْدِيرُهُ مَحْفُوظٌ بِأَعْيُنِنَا، وَإِنْ قُلْنَا لِلْعِلْمِ فَمَعْنَاهُ بِمَرْأًى مِنَّا أَيْ بِمَكَانٍ نَرَاكَ وَتَقْدِيرُهُ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا مَرْئِيٌّ وَحِينَئِذٍ هُوَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ رَأَيْتُهُ بِعَيْنَيَّ كَمَا يُقَالُ كُتِبَ بِالْقَلَمِ الْآلَةِ وَإِنْ كَانَ رُؤْيَةُ اللَّهِ لَيْسَتْ بِآلَةٍ، فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْفَرْقُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ حَيْثُ قَالَ فِي طه عَلى عَيْنِي طَه: 39 وَقَالَ هَاهُنَا بِأَعْيُنِنا وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ عَلَى وَبَيْنَ الْبَاءِ نَقُولُ مَعْنَى عَلَى هُنَاكَ هُوَ أَنَّهُ يَرَى عَلَى مَا يَرْضَاهُ اللَّهُ تَعَالَى، كَمَا يَقُولُ أَفْعَلُهُ عَلَى عَيْنِي أَيْ عَلَى رِضَايَ تَقْدِيرُهُ عَلَى وَجْهٍ يَدْخُلُ فِي عَيْنِي وَأَلْتَفِتُ إِلَيْهِ فَإِنَّ مَنْ يَفْعَلُ شَيْئًا لِغَيْرِهِ وَلَا يَرْتَضِيهِ لَا يَنْظُرُ فِيهِ وَلَا يُقَلِّبُ عَيْنَهُ إِلَيْهِ وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَدْ ذَكَرْنَاهَا وَقَوْلُهُ حِينَ تَقُومُ فِيهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: تَقُومُ مِنْ مَوْضِعِكَ وَالْمُرَادُ قَبْلَ الْقِيَامِ حِينَ مَا تَعْزِمُ عَلَى الْقِيَامِ وَحِينَ مَجِيءِ الْقِيَامِ،
وَقَدْ وَرَدَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ مَنْ قَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ» مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ يُكْتَبُ ذَلِكَ كَفَارَّةً لِمَا يَكُونُ قَدْ صَدَرَ مِنْهُ مِنَ اللَّفْظِ وَاللَّغْوِ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ
الثَّانِي: حِينَ تَقُومُ مِنَ النَّوْمِ،
وَقَدْ وَرَدَ أَيْضًا فِيهِ خَبَرٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ «يُسَبِّحُ بَعْدَ الِانْتِبَاهِ»
الثَّالِثُ: حِينَ تَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ
وَقَدْ وَرَدَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ»
الرَّابِعُ:
حِينَ تَقُومُ لِأَمْرٍ مَا وَلَا سِيَّمَا إِذَا قُمْتَ مُنْتَصِبًا لِمُجَاهَدَةِ قَوْمِكَ ومعاداتهم والدعاء عليهم ف سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَبَدِّلْ قِيَامَكَ لِلْمُعَادَاةِ وَانْتِصَابَكَ لِلِانْتِقَامِ بِقِيَامِكَ لِذِكْرِ اللَّهِ وَتَسْبِيحِهِ الْخَامِسُ: حِينَ تَقُومُ أَيْ بِالنَّهَارِ، فَإِنَّ اللَّيْلَ مَحَلُّ السُّكُونِ وَالنَّهَارَ مَحَلُّ الِابْتِغَاءِ وَهُوَ بِالْقِيَامِ أَوْلَى، وَيَكُونُ كَقَوْلِهِ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ إِشَارَةٌ إِلَى مَا