وَحَمَلَتْ كَمَا يُقَالُ: شَقَانِي الْحِمْلُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ حِمْلٌ، وَإِذَا لَمْ تَزِرْ تِلْكَ النَّفْسُ الَّتِي يُتَوَقَّعُ مِنْهَا ذَلِكَ فَكَيْفَ تَتَحَمَّلُ وِزْرَ غَيْرِهَا فَتَكُونُ الْفَائِدَةُ كَامِلَةً.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا مَا سَعى تَتِمَّةُ بَيَانِ أَحْوَالِ الْمُكَلَّفِ فَإِنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ لَهُ/ أَنَّ سَيِّئَتَهُ لَا يَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ أَحَدٌ بَيَّنَ لَهُ أَنَّ حَسَنَةَ الْغَيْرِ لَا تُجْدِي نَفْعًا وَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ صَالِحًا لَا يَنَالُ خَيْرًا فَيُكْمِلُ بِهَا وَيُظْهِرُ أَنَّ الْمُسِيءَ لَا يَجِدُ بِسَبَبِ حَسَنَةِ الْغَيْرِ ثَوَابًا وَلَا يَتَحَمَّلُ عَنْهُ أَحَدٌ عِقَابًا، وَفِيهِ أَيْضًا مَسَائِلُ:
الْأُولَى: لَيْسَ لِلْإِنْسانِ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَامٌّ وَهُوَ الْحَقُّ وَقِيلَ عَلَيْهِ بِأَنَّ فِي الْأَخْبَارِ أَنَّ مَا يَأْتِي بِهِ الْقَرِيبُ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالصَّوْمِ يَصِلُ إِلَى الْمَيِّتِ وَالدُّعَاءُ أَيْضًا نافع فللإنسان شيء لم يسمع فِيهِ، وَأَيْضًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها الْأَنْعَامِ: 160 وَهِيَ فَوْقَ مَا سَعَى، الْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِنْ لَمْ يَسْعَ فِي أَنْ يَكُونَ لَهُ صَدَقَةُ الْقَرِيبِ بِالْإِيمَانِ لَا يَكُونُ لَهُ صَدَقَتُهُ فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا مَا سَعَى، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَنَقُولُ: اللَّهُ تَعَالَى لَمَّا وَعَدَ الْمُحْسِنَ بِالْأَمْثَالِ وَالْعَشَرَةِ وَبِالْأَضْعَافِ الْمُضَاعَفَةِ فَإِذَا أَتَى بِحَسَنَةٍ رَاجِيًا أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ مَا يَتَفَضَّلُ بِهِ فَقَدْ سَعَى فِي الْأَمْثَالِ، فَإِنْ قِيلَ: أَنْتُمْ إِذَنْ حَمَلْتُمُ السَّعْيَ عَلَى الْمُبَادَرَةِ إِلَى الشَّيْءِ، يُقَالُ: سَعَى فِي كَذَا إِذَا أَسْرَعَ إِلَيْهِ، وَالسَّعْيُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا مَا سَعى مَعْنَاهُ الْعَمَلُ يُقَالُ: سَعَى فُلَانٌ أَيْ عَمِلَ، وَلَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرْتُمْ لَقَالَ: إِلَّا مَا سَعَى فِيهِ نَقُولُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا: لَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا مَا سَعى لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ لَهُ عَيْنَ مَا سَعَى، بَلِ الْمُرَادُ عَلَى مَا ذَكَرْتَ لَيْسَ لَهُ إِلَّا ثَوَابُ مَا سَعَى، أَوْ إِلَّا أَجْرُ مَا سَعَى، أَوْ يُقَالُ: بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ مَا سَعَى مَحْفُوظٌ لَهُ مَصُونٌ عَنِ الْإِحْبَاطِ فَإِذَنْ لَهُ فِعْلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْإِنْسَانِ الْكَافِرُ دُونَ الْمُؤْمِنِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقِيلَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا مَا سَعى كَانَ فِي شَرْعِ مَنْ تَقَدَّمَ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَسَخَهُ فِي شَرْعِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ لِلْإِنْسَانِ مَا سَعَى وَمَا لَمْ يَسْعَ وَهُوَ بَاطِلٌ إِذْ لَا حَاجَةَ إلى هذا التكلف بعد ما بَانَ الْحَقُّ، وَعَلَى مَا ذُكِرَ فَقَوْلُهُ: مَا سَعى مُبْقًى عَلَى حَقِيقَتِهِ مَعْنَاهُ لَهُ عَيْنُ مَا سَعَى مَحْفُوظٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا نُقْصَانَ يَدْخُلُهُ ثُمَّ يُجْزَى بِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ الزَّلْزَلَةِ: 7 .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ (مَا) خَبَرِيَّةٌ أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ؟ نَقُولُ: كَوْنُهَا مَصْدَرِيَّةً أَظْهَرُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تعالى: وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى أَيْ سَوْفَ يُرَى الْمَسْعِيُّ، وَالْمَصْدَرُ لِلْمَفْعُولِ يَجِيءُ كَثِيرًا يُقَالُ: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ أَيْ مَخْلُوقُهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ بَيَانُ ثَوَابِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ أَوْ بَيَانُ كُلِّ عَمَلٍ، نَقُولُ: المشهور أنها لِكُلِّ عَمَلٍ فَالْخَيْرُ مُثَابٌ عَلَيْهِ وَالشَّرُّ مُعَاقَبٌ بِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِبَيَانِ الْخَيْرَاتِ يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لِلْإِنْسانِ فَإِنَّ اللَّامَ لعود المنافع وعلى لِعُودِ الْمَضَارِّ تَقُولُ: هَذَا لَهُ، وَهَذَا عَلَيْهِ، وَيَشْهَدُ لَهُ وَيَشْهَدُ عَلَيْهِ فِي الْمَنَافِعِ وَالْمَضَارِّ، وَلِلْقَائِلِ الْأَوَّلِ أَنْ يَقُولَ: بِأَنَّ الْأَمْرَيْنِ إِذَا اجْتَمَعَا غَلَبَ الْأَفْضَلُ كَجُمُوعِ السَّلَامَةِ تُذْكَرُ إِذَا اجْتَمَعَتِ الْإِنَاثُ مَعَ الذُّكُورِ، وَأَيْضًا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى النَّجْمِ: 41 وَالْأَوْفَى لَا يَكُونُ إِلَّا فِي مُقَابَلَةِ الْحَسَنَةِ، وَأَمَّا فِي السَّيِّئَةِ فَالْمِثْلُ أَوْ دُونَهُ الْعَفْوُ بِالْكُلِّيَّةِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: إِلَّا مَا سَعى بِصِيغَةِ الْمَاضِي دُونَ الْمُسْتَقْبَلِ لِزِيَادَةِ الْحَثِّ عَلَى السَّعْيِ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَتَقْرِيرُهُ هُوَ أَنَّهُ تَعَالَى لَوْ قَالَ: لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا يَسْعَى، تَقُولُ النَّفْسُ إِنِّي أُصَلِّي غَدًا/ كَذَا رَكْعَةً وَأَتَصَدَّقُ بِكَذَا دِرْهَمًا، ثُمَّ يُجْعَلُ مُثْبَتًا فِي صَحِيفَتِي الْآنَ لِأَنَّهُ أَمْرٌ يُسْعَى وَلَهُ فِيهِ مَا يَسْعَى فِيهِ، فَقَالَ: لَيْسَ لَهُ إِلَّا مَا قَدْ سَعَى وَحَصَلَ وَفُرِغَ مِنْهُ، وَأَمَّا تَسْوِيلَاتُ الشَّيْطَانِ وَعِدَاتُهُ فَلَا اعْتِمَادَ عَلَيْهَا ثُمَّ قال تعالى: