لِلْمَوْصُوفِ، كَمَا يُقَالُ: زَيْدٌ الْعَالِمُ جَاءَنِي فَيَذْكُرُ الْعَالِمَ، إِمَّا لِبَيَانِ أَنَّ زَيْدًا عَالِمٌ غَيْرَ أَنَّكَ لَا تَذْكُرُهُ بِلَفْظِ الْخَبَرِ فَتَأْتِي بِهِ عَلَى طَرِيقَةِ الْوَصْفِ، وَإِمَّا لِمَدْحِ زَيْدٍ بِهِ، وَإِمَّا لِأَمْرٍ آخَرَ، وَالْأَوْلَى عَلَى الْعَوْدِ إِلَى لَفْظِ الْجَمْعِ وَهُوَ النُّذُرُ وَلَوْ كَانَ لِمَعْنَى الْجَمْعِ لَقَالَ: مِنَ النُّذُرِ الْأَوَّلِينَ يُقَالُ مِنَ الأقوام المتقدمة والمتقدمين على اللفظ والمعنى. ثم قال تعالى:
سورة النجم (53) : آية 57أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57)
وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَعَتِ الْواقِعَةُ الْوَاقِعَةِ: 1 وَيُقَالُ: كَانَتِ الْكَائِنَةُ. وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ يَقَعُ عَلَى وُجُوهٍ مِنْهَا مَا إِذَا كَانَ الْفَاعِلُ صَارَ فَاعِلًا لِمِثْلِ ذَلِكَ الْفِعْلِ مِنْ قَبْلُ، ثُمَّ صَدَرَ مِنْهُ مَرَّةً أُخْرَى مِثْلَ الْفِعْلِ، فَيُقَالُ: فَعَلَ الْفَاعِلُ أَيِ الَّذِي كَانَ فَاعِلًا صَارَ فَاعِلًا مَرَّةً أُخْرَى، يُقَالُ: حَاكَهُ الْحَائِكُ أَيْ مَنْ شَغَلَهُ ذَلِكَ مِنْ قَبْلُ فَعَلَهُ، وَمِنْهَا مَا يَصِيرُ الْفَاعِلُ فَاعِلًا بِذَلِكَ الْفِعْلِ، وَمِنْهُ
يُقَالُ: «إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ»
وَإِذَا غَصَبَ الْعَيْنَ غَاصِبٌ ضَمِنَهُ، فَقَوْلُهُ: أَزِفَتِ الْآزِفَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْقَبِيلِ الْأَوَّلِ أَيْ قَرُبَتِ السَّاعَةُ الَّتِي كَلَّ يَوْمٍ يَزْدَادُ قُرْبُهَا فَهِيَ كَائِنَةٌ قَرِيبَةٌ وَازْدَادَتْ فِي الْقُرْبِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَعَتِ الْواقِعَةُ أي قرب وقوعها وأزفت فَاعِلُهَا فِي الْحَقِيقَةِ الْقِيَامَةُ أَوِ السَّاعَةُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَزِفَتِ الْقِيَامَةُ الْآزِفَةُ أَوِ السَّاعَةُ أَوْ مثلها. وقوله تعالى:
سورة النجم (53) : آية 58لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ (58)
فِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: لَا مُظْهِرَ لَهَا إِلَّا اللَّهُ فَمَنْ يَعْلَمُهَا لَا يَعْلَمُ إِلَّا بِإِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُ وَإِظْهَارِهِ إِيَّاهَا لَهُ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ لُقْمَانَ: 34 وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ الْأَعْرَافِ:
187 . ثَانِيهَا: لَا يَأْتِي بِهَا إِلَّا اللَّهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ الْأَنْعَامِ: 17 وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْأُولَى: (مِنْ) زَائِدَةٌ تَقْدِيرُهُ لَيْسَ لَهَا غَيْرُ اللَّهِ كَاشِفَةٌ، وَهِيَ تَدْخُلُ عَلَى النَّفْيِ فَتُؤَكِّدُ مَعْنَاهُ، تَقُولُ: مَا جَاءَنِي أَحَدٌ وَمَا جَاءَنِي مِنْ أَحَدٍ، وَعَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، تَقْدِيرُهُ لَيْسَ لَهَا مِنْ كَاشِفَةٍ دُونَ اللَّهِ، فَيَكُونُ نَفْيًا عَامًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكَوَاشِفِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ بَلْ مَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْوُجُودِ نَفْسٌ تَكْتَشِفُهَا أَيْ تُخْبِرُ عَنْهَا كَمَا هِيَ وَمَتَى وَقْتُهَا مِنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى يَعْنِي مَنْ يَكْشِفُهَا فَإِنَّمَا يَكْشِفُهَا مِنَ اللَّهِ لَا مِنْ غَيْرِ اللَّهِ يُقَالُ: كَشْفُ الْأَمْرِ مِنْ زيد، ودون يَكُونُ بِمَعْنَى غَيْرِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ الصَّافَّاتِ: 86 أَيْ غَيْرَ اللَّهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: كَاشِفَةٌ صِفَةٌ لِمُؤَنَّثٍ أَيْ نَفْسٌ كَاشِفَةٌ، وَقِيلَ هِيَ لِلْمُبَالَغَةِ كَمَا فِي الْعَلَّامَةِ وَعَلَى هَذَا لَا يُقَالُ بِأَنَّهُ نَفْيٌ أَنْ يَكُونَ لَهَا كَاشِفَةٌ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنَ الْكَاشِفِ الْفَائِقِ نَفْيُ/ نَفْسِ الْكَاشِفِ، لِأَنَّا نَقُولُ: لَوْ كَشَفَهَا أَحَدٌ لَكَانَ كَاشِفًا بِالْوَجْهِ الْكَامِلِ، فَلَا كَاشِفَ لَهَا وَلَا يَكْشِفُهَا أَحَدٌ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ق: 29 مِنْ حَيْثُ نَفْيُ كَوْنِهِ ظَالِمًا مُبَالِغًا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ كَوْنِهِ ظَالِمًا، وَقُلْنَا هُنَاكَ: إِنَّهُ لَوْ ظَلَمَ عَبِيدَهُ الضُّعَفَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ لَكَانَ فِي غَايَةِ الظُّلْمِ وَلَيْسَ فِي غَايَةِ الظُّلْمِ فَلَا يَظْلِمُهُمْ أَصْلًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إِذَا قُلْتَ: إِنْ مَعْنَاهُ لَيْسَ لَهَا نَفْسٌ كَاشِفَةٌ، فَقَوْلُهُ: مِنْ دُونِ اللَّهِ اسْتِثْنَاءٌ عَلَى الْأَشْهَرِ مِنَ الْأَقْوَالِ، فَيَكُونُ اللَّهُ تَعَالَى نَفْسًا لَهَا كَاشِفَةٌ؟ نَقُولُ: الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ: لَا فَسَادَ فِي ذَلِكَ قَالَ الله