قَوْلَهُ تَعَالَى: وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ النِّسَاءِ: 14 جَمْعٌ مُضَافٌ وَالْجَمْعُ الْمُضَافُ عِنْدَكُمْ يُفِيدُ الْعُمُومَ، كَمَا لَوْ قِيلَ:
ضَرَبْتُ عَبِيدِي، فَإِنَّهُ يَكُونُ ذَلِكَ شَامِلًا لِجَمِيعِ عَبِيدِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ اخْتَصَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِمَنْ تَعَدَّى جَمِيعَ حُدُودِ اللَّهِ وَذَلِكَ هُوَ الْكَافِرُ لَا مَحَالَةَ دُونَ الْمُؤْمِنِ، قُلْنَا: الْأَمْرُ وَإِنْ كَانَ كَمَا ذَكَرْتُمْ نَظَرًا إِلَى اللَّفْظِ لَكِنَّهُ وُجِدَتْ قَرَائِنُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ليس المراد هاهنا تَعَدِّي جَمِيعِ الْحُدُودِ، أَحَدُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى قَدَّمَ عَلَى قَوْلِهِ: وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ قَوْلَهُ تَعَالَى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَانْصَرَفَ قَوْلُهُ: وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ إِلَى تِلْكَ الْحُدُودِ، وَثَانِيهَا: أَنَّ الْأُمَّةَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ مَزْجُورٌ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَنِ الْمَعَاصِي، وَلَوْ صَحَّ مَا ذَكَرْتُمْ/ لَكَانَ الْمُؤْمِنُ غَيْرَ مَزْجُورٍ بِهَا، وَثَالِثُهَا: أَنَّا لَوْ حَمَلْنَا الْآيَةَ عَلَى تَعَدِّي جَمِيعِ الْحُدُودِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَعِيدِ بِهَا فَائِدَةٌ لِأَنَّ أَحَدًا مِنَ الْمُكَلَّفِينَ لَا يَتَعَدَّى جَمِيعَ حُدُودِ اللَّهِ، لِأَنَّ فِي الْحُدُودِ مَا لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا فِي التَّعَدِّي لِتَضَادِّهَا، فَإِنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ أَحَدٌ مِنْ أَنْ يَعْتَقِدَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ مَذْهَبَ الثَّنَوِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ وَلَيْسَ يُوجَدُ فِي الْمُكَلَّفِينَ مَنْ يَعْصِي اللَّهَ بِجَمِيعِ الْمَعَاصِي، وَرَابِعُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى فِي قَاتِلِ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها النِّسَاءِ: 93 ، دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ جَزَاؤُهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ هَذَا الْجَزَاءُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ النِّسَاءِ: 123 .
وخامسها: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى قَوْلِهِ: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ الْأَنْفَالِ: 16 .
وَسَادِسُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ الزَّلْزَلَةِ: 7، 8 .
وَسَابِعُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا النِّسَاءِ: 29، 30 . وَثَامِنُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى طه: 74، 75 فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الْكَافِرَ وَالْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ الْعِقَابِ الدَّائِمِ كَمَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ مِنْ أَهْلِ الثَّوَابِ. وَتَاسِعُهَا:
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً طه: 111 وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الظَّالِمُ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دَاخِلًا تَحْتَ هَذَا الْوَعِيدِ، وَعَاشِرُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَ تَعْدَادِ الْمَعَاصِي: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً الْفُرْقَانِ: 68، 69 بَيَّنَ أَنَّ الْفَاسِقَ كَالْكَافِرِ فِي أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْخُلُودِ، إِلَّا مَنْ تَابَ مِنَ الْفُسَّاقِ أَوْ آمَنَ مِنَ الْكُفَّارِ، وَالْحَادِيَةُ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ النَّمْلِ: 89، 90 الْآيَةَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَعَاصِيَ كُلَّهَا مُتَوَعَّدٌ عَلَيْهَا كَمَا أَنَّ الطَّاعَاتِ كُلَّهَا مَوْعُودٌ عَلَيْهَا، وَالثَّانِيَةُ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى النَّازِعَاتِ: 37- 39 . وَالثَّالِثَةُ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ الْجِنِّ: 23 الْآيَةَ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ، وَالرَّابِعَةُ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ الْآيَةَ، فَحَكَى فِي أَوَّلِ الْآيَةِ قَوْلَ الْمُرْجِئَةِ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ: وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً الْبَقَرَةِ: 80 ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ كَذَّبَهُمْ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ فَهَذِهِ هِيَ الْآيَاتُ الَّتِي تَمَسَّكُوا بِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى صِيغَةِ «مَنْ» فِي مَعْرِضِ الشَّرْطِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ تُفِيدُ الْعُمُومَ بِوُجُوهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مَوْضُوعَةً لِلْعُمُومِ لَكَانَتْ إِمَّا مَوْضُوعَةً لِلْخُصُوصِ أَوْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا وَالْقِسْمَانِ بَاطِلَانِ، فَوَجَبَ كَوْنُهَا مَوْضُوعَةً لِلْعُمُومِ، أَمَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَوْضُوعَةً لِلْخُصُوصِ فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا حَسُنَ مِنَ الْمُتَكَلِّمِ أَنْ يُعْطِيَ الْجَزَاءَ لِكُلِّ مَنْ أَتَى بِالشَّرْطِ، لِأَنَّ عَلَى