يملكه، فإن الإنسان إذا كان في البلاد الشَّدِيدِ ثُمَّ رَآهُ عَدُوُّهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ كَانَ ذَلِكَ فِي نِهَايَةِ الشِّدَّةِ عَلَيْهِ.
الصِّفَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْمُجْرِمُ هُوَ الْكَافِرُ، وَقِيلَ: يَتَنَاوَلُ كُلَّ مُذْنِبٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قُرِئَ يَوْمِئِذٍ بِالْجَرِّ وَالْفَتْحِ عَلَى الْبِنَاءِ لِسَبَبِ الْإِضَافَةِ إِلَى غَيْرِ مُتَمَكِّنٍ، وَقُرِئَ أَيْضًا:
مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِتَنْوِينِ عَذَابٍ وَنَصْبِ يَوْمَئِذٍ وَانْتِصَابُهُ بِعَذَابٍ لِأَنَّهُ فِي معنى تعذيب.
سورة المعارج (70) : الآيات 13 الى 14وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ (14)
وقوله تعالى: وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَصِيلَةُ الرَّجُلِ، أَقَارِبُهُ الْأَقْرَبُونَ الَّذِينَ فُصِلَ عَنْهُمْ وَيَنْتَهِي إِلَيْهِمْ، لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْفَصِيلَةِ الْمَفْصُولَةُ، لِأَنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ مُنْفَصِلًا مِنَ الْأَبَوَيْنِ.
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي»
فَلَمَّا كَانَ هُوَ مَفْصُولًا مِنْهُمَا، كَانَا أَيْضًا مَفْصُولَيْنِ/ مِنْهُ، فَسُمِّيَا فَصِيلَةً لِهَذَا السَّبَبِ، وَكَانَ يُقَالُ لِلْعَبَّاسِ: فَصِيلَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ الْعَمَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: تُؤْوِيهِ فَالْمَعْنَى تَضُمُّهُ انْتِمَاءً إِلَيْهَا فِي النَّسَبِ أَوْ تمسكا بها في النوائب.
وَقَوْلُهُ: ثُمَّ يُنْجِيهِ فِيهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ معطوف على يَفْتَدِي المعارج: 11 وَالْمَعْنَى: يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ ثُمَّ يُنْجِيهِ وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالتَّقْدِيرُ: يَوَدُّ لَوْ يَفْتَدِي بِمَنْ في الأرض ثم ينجيه، وثُمَّ لِاسْتِبْعَادِ الْإِنْجَاءِ، يَعْنِي يَتَمَنَّى لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا تَحْتَ يَدِهِ وَبَذَلُهُمْ فِي فِدَاءِ نَفْسِهِ، ثم ينجيه ذلك، وهيهات أن ينجيه.
سورة المعارج (70) : الآيات 15 الى 16كَلاَّ إِنَّها لَظى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوى (16)
كَلَّا رَدْعٌ لِلْمُجْرِمِ عَنْ كَوْنِهِ بِحَيْثُ يَوَدُّ الِافْتِدَاءَ بِبَنِيهِ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ الِافْتِدَاءُ، وَلَا يُنْجِيهِ مِنَ الْعَذَابِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّها وَفِيهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّ هَذَا الضَّمِيرَ لِلنَّارِ، وَلَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ إِلَّا أَنَّ ذِكْرَ الْعَذَابِ دَلَّ عَلَيْهَا وَالثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرَ الْقِصَّةِ، وَلَظَى مِنْ أَسْمَاءِ النَّارِ. قَالَ اللَّيْثُ: اللَّظَى، اللَّهَبُ الْخَالِصُ، يُقَالُ: لَظَّتِ النَّارُ تَلَظَّى لَظًى، وَتَلَظَّتْ تَلَظِّيًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: نَارًا تَلَظَّى اللَّيْلِ: 14 وَلَظَى عَلَمٌ لِلنَّارِ مَنْقُولٌ مِنَ اللَّظَى، وَهُوَ مَعْرِفَةٌ لَا يَنْصَرِفُ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُنَوَّنْ، وَقَوْلُهُ: نَزَّاعَةً مَرْفُوعَةٌ، وَفِي سَبَبِ هَذَا الِارْتِفَاعِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: أَنْ تَجْعَلَ الْهَاءَ فِي أَنَّهَا عِمَادٌ، أَوْ تَجْعَلَ لَظَى اسْمَ إِنَّ، وَنَزَّاعَةً خَبَرَ إِنَّ، كَأَنَّهُ قِيلَ: إِنَّ لَظَى نَزَّاعَةٌ وَالثَّانِي: أَنْ تَجْعَلَ الْهَاءَ ضَمِيرَ الْقِصَّةِ، وَلَظَى مُبْتَدَأً، وَنَزَّاعَةً خَبَرًا، وَتَجْعَلَ الْجُمْلَةَ خَبَرًا عَنْ ضَمِيرِ الْقِصَّةِ، وَالتَّقْدِيرُ: إِنَّ الْقِصَّةَ لَظَى نَزَّاعَةٌ لِلشَّوَى وَالثَّالِثُ: أَنْ تَرْتَفِعَ عَلَى الذَّمِّ، وَالتَّقْدِيرُ: إِنَّهَا لَظَى وَهِيَ نَزَّاعَةٌ لِلشَّوَى، وَهَذَا قَوْلُ الْأَخْفَشِ وَالْفَرَّاءِ وَالزَّجَّاجِ.
وَأَمَّا قِرَاءَةُ النَّصْبِ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا: قَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّهَا حَالٌ مُؤَكَّدَةٌ، كَمَا قَالَ: هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً فَاطِرٍ: 31 وَكَمَا يَقُولُ: أَنَا زَيْدٌ مَعْرُوفًا، اعْتَرَضَ أَبُو عَلِيِّ الْفَارِسِيُّ عَلَى هَذَا وَقَالَ: حَمْلُهُ عَلَى الْحَالِ بِعِيدٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يَعْمَلُ فِي الْحَالِ، فَإِنْ قُلْتَ فِي قَوْلِهِ: لَظى مَعْنَى التَّلَظِّي وَالتَّلَهُّبِ، فَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ، لِأَنَّ لَظَى اسْمُ عَلَمٍ لِمَاهِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَالْمَاهِيَّةُ لَا يُمْكِنُ تَقْيِيدُهَا بِالْأَحْوَالِ، إِنَّمَا الَّذِي يُمْكِنُ تَقْيِيدُهُ بِالْأَحْوَالِ هُوَ