وَيْحَكَ لِمَ تَكْذِبُ؟ كَأَنَّكَ قُلْتَ: لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ شَأْنِكَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ الْبَقَرَةِ: 102 وَلَمْ يُقِلْ مَا تَلَتْ لِأَنَّهُ أَرَادَ مِنْ شَأْنِهَا التِّلَاوَةَ. وَالثَّانِي: كَأَنَّهُ قَالَ: لِمَ تَرْضَوْنَ بِقَتْلِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كنتم آمنتم بالتوراة والله أعلم.
سورة البقرة (2) : آية 92وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (92)
اعْلَمْ أَنَّ تَكْرِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ يُغْنِي عَنْ تَفْسِيرِهَا وَالسَّبَبُ فِي تَكْرِيرِهَا أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى طَرِيقَةَ الْيَهُودِ فِي زَمَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَصَفَهُمْ بِالْعِنَادِ وَالتَّكْذِيبِ وَمَثَّلَهُمْ بِسَلَفِهِمْ فِي قَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ الَّذِي يُنَاسِبُ التَّكْذِيبَ لَهُمْ بَلْ يَزِيدُ عَلَيْهِ، أَعَادَ ذِكْرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَأَنَّهُمْ مَعَ وُضُوحِ ذَلِكَ أَجَازُوا أَنْ يَتَّخِذُوا الْعِجْلَ إِلَهًا وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ صَابِرٌ ثَابِتٌ عَلَى الدُّعَاءِ إِلَى رَبِّهِ وَالتَّمَسُّكِ بِدِينِهِ وَشَرْعِهِ فَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي حَالِي مَعَكُمْ وَإِنْ بَالَغْتُمْ فِي التَّكْذِيبِ وَالْإِنْكَارِ.
سورة البقرة (2) : آية 93وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)
اعْلَمْ أَنَّ فِي الْإِعَادَةِ وُجُوهًا: أَحَدُهَا: أَنَّ التَّكْرَارَ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ لِلتَّأْكِيدِ وَإِيجَابِ الْحُجَّةِ عَلَى الْخَصْمِ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ، وَثَانِيهَا: أَنَّهُ إِنَّمَا ذكر ذلك مع زيادة وهي قولهم: سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى نِهَايَةِ لَجَاجِهِمْ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنَّ إِظْلَالَ الْجَبَلِ لَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْمُخَوِّفَاتِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَرُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَصَرَّحُوا بِقَوْلِهِمْ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّخْوِيفَ وَإِنْ عَظُمَ لَا يُوجِبُ الِانْقِيَادَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْأَكْثَرُونَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ اعْتَرَفُوا بِأَنَّهُمْ قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ، قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى سَمِعُوهُ فَتَلَقَّوْهُ بِالْعِصْيَانِ فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالْقَوْلِ وَإِنْ لَمْ يَقُولُوهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ الْبَقَرَةِ: 177 وَكَقَوْلِهِ: قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ فُصِّلَتْ: 11 وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ صَرْفَ الْكَلَامِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِغَيْرِ الدَّلِيلِ لَا يَجُوزُ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمْ حُبَّ الْعِجْلِ، وَفِي وَجْهِ هَذِهِ الِاسْتِعَارَةِ وَجْهَانِ، الْأَوَّلُ: مَعْنَاهُ تَدَاخَلَهُمْ حُبُّهُ وَالْحِرْصُ عَلَى عِبَادَتِهِ كَمَا يَتَدَاخَلُ الصَّبْغُ الثَّوْبَ، وَقَوْلُهُ: فِي قُلُوبِهِمُ بَيَانٌ/ لمكان الإشراف كَقَوْلِهِ: إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا النِّسَاءِ: 10 . الثَّانِي: كَمَا أَنَّ الشُّرْبَ مَادَّةٌ لِحَيَاةِ مَا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ فَكَذَا تِلْكَ الْمَحَبَّةُ كَانَتْ مَادَّةً لِجَمِيعِ مَا صَدَرَ عَنْهُمْ مِنَ الْأَفْعَالِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: وَأُشْرِبُوا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَاعِلًا غَيْرَهُمْ فَعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ سِوَى اللَّهِ، أَجَابَتِ الْمُعْتَزِلَةُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: مَا أَرَادَ اللَّهُ أَنَّ غَيْرَهُمْ فَعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ لَكِنَّهُمْ لِفَرْطِ وُلُوعِهِمْ