أَنَّ الْقِيَامَ كَانَ سَبَبًا لِلذَّهَابِ، وَلَوْ قُلْتَ: قَامَ وَذَهَبَ لَمْ تَجْعَلِ الْقِيَامَ سَبَبًا لِلذَّهَابِ، قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَوْلُ صَاحِبِ «النَّظْمِ» غَيْرُ مُطَّرِدٍ فِي قَوْلِهِ: فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً لِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يَجْعَلَ السَّبْقَ سَبَبًا لِلتَّدْبِيرِ، وَأَقُولُ: يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنِ اعْتِرَاضِ الْوَاحِدِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهَا لَمَّا أُمِرَتْ سَبَحَتْ فَسَبَقَتْ فَدَبَّرَتْ مَا أُمِرَتْ بِتَدْبِيرِهَا وَإِصْلَاحِهَا، فَتَكُونُ هَذِهِ أَفْعَالًا يَتَّصِلُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، كَقَوْلِكَ قَامَ زَيْدٌ، فَذَهَبَ، فَضَرَبَ عَمْرًا، الثَّانِي: لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا سَابِقِينَ فِي أَدَاءِ الطَّاعَاتِ مُتَسَارِعِينَ إِلَيْهَا ظَهَرَتْ أَمَانَتُهُمْ، فَلِهَذَا السَّبَبِ فَوَّضَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ تَدْبِيرَ بَعْضِ الْعَالَمِ الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ قِسْمَانِ، الرُّؤَسَاءُ وَالتَّلَامِذَةُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ السَّجْدَةِ: 11 ثُمَّ قَالَ: حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا الْأَنْعَامِ: 61 فَقُلْنَا فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ: إِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ هُوَ الرَّأْسُ، وَالرَّئِيسُ وَسَائِرُ الملائكة هم التلامذة، إذا عرفت هذا فتقول: النَّازِعَاتُ، وَالنَّاشِطَاتُ/ وَالسَّابِحَاتُ، مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّلَامِذَةِ الَّذِينَ هُمْ يُبَاشِرُونَ الْعَمَلَ بِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَالسَّابِقاتِ
... فَالْمُدَبِّراتِ إِشَارَةٌ إِلَى الرُّؤَسَاءِ الَّذِينَ هُمُ السَّابِقُونَ، فِي الدَّرَجَةِ وَالشَّرَفِ، وَهُمُ الْمُدَبِّرُونَ لِتِلْكَ الأحوال والأعمال.
سورة النازعات (79) : الآيات 6 الى 11يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ (8) أَبْصارُها خاشِعَةٌ (9) يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ (10)
أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً (11)
في قَوْلُهُ تَعَالَى يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ فِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: جَوَابُ الْقَسَمِ الْمُتَقَدِّمِ مَحْذُوفٌ أَوْ مَذْكُورٌ فِيهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ مَحْذُوفٌ، ثُمَّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي الْآيَةِ احْتِمَالَاتٌ:
الْأَوَّلُ: قَالَ الْفَرَّاءُ التَّقْدِيرُ: لَتُبْعَثُنَّ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، أَنَّهُمْ قَالُوا: أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً النازعات: 11 أَيْ أَنُبْعَثُ إِذَا صِرْنَا عِظَامًا نَخِرَةً الثَّانِي: قَالَ الْأَخْفَشُ وَالزَّجَّاجُ: لَنَنْفُخَنَّ فِي الصُّورِ نَفْخَتَيْنِ وَدَلَّ عَلَى هَذَا الْمَحْذُوفِ ذِكْرُ الرَّاجِفَةِ وَالرَّادِفَةِ وَهُمَا النَّفْخَتَانِ الثَّالِثُ: قَالَ الْكِسَائِيُّ: الْجَوَابُ الْمُضْمَرُ هُوَ أَنَّ الْقِيَامَةَ وَاقِعَةٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وتعالى قال: وَالذَّارِياتِ ذَرْواً الذاريات: 1 ثُمَّ قَالَ: إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ الذَّارِيَاتِ: 5 وَقَالَ: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً
... إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ الْمُرْسَلَاتِ: 1، 7 فَكَذَلِكَ هَاهُنَا فَإِنَّ الْقُرْآنَ كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَةِ الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْجَوَابَ مَذْكُورٌ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ احْتِمَالَاتٌ الْأَوَّلُ: الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ هُوَ قَوْلُهُ: قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ أَبْصارُها خاشِعَةٌ وَالتَّقْدِيرُ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا إِنَّ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَحْصُلُ قُلُوبٌ وَاجِفَةٌ وَأَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ الثَّانِي: جَوَابُ الْقَسَمِ هُوَ قَوْلُهُ: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى النَّازِعَاتِ: 15 فَإِنَّ هَلْ هَاهُنَا بِمَعْنَى قَدْ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ الْغَاشِيَةِ: 1 أَيْ قَدْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ الثَّالِثُ:
جَوَابُ الْقَسَمِ هُوَ قَوْلُهُ: إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى النَّازِعَاتِ: 26 .