وَبَاطِنُهُ قَبِيحًا، وَرُبَّمَا كَانَ بِالْعَكْسِ. فَاخْتِبَارُهَا مَا يُعْتَبَرُ بَيْنَ تِلْكَ الْوُجُوهِ الْمُتَعَارِضَةِ مِنَ الْمُعَارَضَةِ وَالتَّرْجِيحِ، حَتَّى يَظْهَرَ أَنَّ الْوَجْهَ الرَّاجِحَ مَا هُوَ، وَالْمَرْجُوحَ مَا هُوَ.
الثَّالِثُ: قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: بَلَوْتُ يَقَعُ عَلَى إِظْهَارِ الشَّيْءِ وَيَقَعُ على امتحانه كقوله: وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ محمد: 31 وقوله: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ البقرة: 155 ثُمَّ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: السَّرَائِرُ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْعَبْدِ تُخْتَبَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَظْهَرَ خَبَرُهَا مِنْ سِرِّهَا وَمُؤَدِّيهَا مِنْ مُضَيِّعِهَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
يُبْدِي اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كُلَّ سِرٍّ مِنْهَا، فَيَكُونُ زَيْنًا فِي الْوُجُوهِ وَشَيْنًا فِي الْوُجُوهِ، يَعْنِي مَنْ أَدَّاهَا كَانَ وَجْهُهُ مُشْرِقًا وَمَنْ ضَيَّعَهَا كَانَ وَجْهُهُ أَغْبَرَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ لَا قُوَّةَ لِلْعَبْدِ ذَلِكَ الْيَوْمَ، لِأَنَّ قُوَّةَ الْإِنْسَانِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ لِذَاتِهِ أَوْ مُسْتَفَادَةً مِنْ غَيْرِهِ، فَالْأَوَّلُ مَنْفِيٌّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَالثَّانِي مَنْفِيٌّ بِقَوْلِهِ: وَلا ناصِرٍ وَالْمَعْنَى مَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ يَدْفَعُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ مَا حَلَّ مِنَ الْعَذَابِ وَلَا نَاصِرٍ يَنْصُرُهُ فِي دَفْعِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ زَجْرٌ وتحدير، وَمَعْنَى دُخُولِ مِنْ فِي قَوْلِهِ: مِنْ قُوَّةٍ عَلَى وَجْهِ النَّفْيِ لِقَلِيلِ ذَلِكَ وَكَثِيرِهِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: مَا لَهُ مِنْ شَيْءٍ مِنَ الْقُوَّةِ وَلَا أَحَدٍ مِنَ الْأَنْصَارِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: يُمْكِنُ أَنْ يُتَمَسَّكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي نَفْيِ الشَّفَاعَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً إِلَى قَوْلِهِ: وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ الْبَقَرَةِ: 48 ، الْجَوَابُ: ما تقدم.
سورة الطارق (86) : الآيات 11 الى 17وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (12) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (14) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (15)
وَأَكِيدُ كَيْداً (16) فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (17)
اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا فَرَغَ مِنْ دَلِيلِ التَّوْحِيدِ، وَالْمَعَادِ أَقْسَمَ قَسَمًا آخَرَ، أَمَّا قَوْلُهُ: وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ فَنَقُولُ: قَالَ الزَّجَّاجُ الرَّجْعُ الْمَطَرُ لِأَنَّهُ يَجِيءُ وَيَتَكَرَّرُ. وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الزَّجَّاجِ وَسَائِرِ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الرَّجْعَ لَيْسَ اسْمًا مَوْضُوعًا لِلْمَطَرِ بَلْ سُمِّيَ رَجْعًا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ، وَلِحُسْنِ هَذَا الْمَجَازِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا:
قَالَ الْقَفَّالُ: كَأَنَّهُ مِنْ تَرْجِيعِ الصَّوْتِ وَهُوَ إِعَادَتُهُ وَوَصْلُ الْحُرُوفِ بِهِ، فَكَذَا الْمَطَرُ لِكَوْنِهِ عَائِدًا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى سُمِّيَ رَجْعًا وَثَانِيهَا: أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ السَّحَابَ يَحْمِلُ الْمَاءَ مِنْ بِحَارِ الْأَرْضِ ثُمَّ يُرْجِعُهُ إِلَى الْأَرْضِ وَثَالِثُهَا: أَنَّهُمْ أَرَادُوا التَّفَاؤُلَ فَسَمَّوْهُ رَجْعًا لِيَرْجِعَ وَرَابِعُهَا: أَنَّ الْمَطَرَ يَرْجِعُ فِي كُلِّ عَامٍ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ لِلْمُفَسِّرِينَ أَقْوَالٌ: أَحَدُهَا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ أَيْ ذَاتِ الْمَطَرِ يَرْجِعُ لِمَطَرٍ بَعْدَ مَطَرٍ وَثَانِيهَا: رَجْعُ السَّمَاءِ إِعْطَاءُ الْخَيْرِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ جِهَتِهَا حَالًا بَعْدَ حَالٍ عَلَى مُرُورِ الْأَزْمَانِ تُرْجِعُهُ رَجْعًا، أَيْ