بِمَسْئُولٍ عَلَيْهِمْ، لَكِنَّ مَنْ تَوَلَّى مِنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ الَّذِي هُوَ عَذَابُ جَهَنَّمَ، قَالُوا وَعَلَامَةُ كَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ مُنْقَطِعًا حُسْنُ دُخُولِ أَنَّ فِي الْمُسْتَثْنَى، وَإِذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا لَمْ يَحْسُنْ ذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ:
عِنْدِي مِائَتَانِ إِلَّا دِرْهُمًا، فَلَا تَدْخُلُ عليه أن، وهاهنا يَحْسُنُ أَنَّ، فَإِنَّكَ تَقُولُ: إِلَّا أَنَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قُرِئَ: (أَلَا مَنْ تَوَلَّى) عَلَى التَّنْبِيهِ، وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: (فَإِنَّهُ يُعَذِّبُهُ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إِنَّمَا سَمَّاهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ لِوُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَدْ بَلَغَ حَدَّ عَذَابِ الْكُفْرِ وَهُوَ الْأَكْبَرُ، لِأَنَّ مَا عَدَاهُ مِنْ عَذَابِ الْفِسْقِ دُونَهُ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ السَّجْدَةِ:
21 ، وَثَانِيهَا: هُوَ الْعَذَابُ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ فِي النَّارِ وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ قَدْ/ يَكُونُ الْعَذَابُ الْأَكْبَرُ حَاصِلًا فِي الدُّنْيَا، وَذَلِكَ بالقتل وسبي الذرية وغنيمة الأموال والقول الأول أولى وأقرب. ثم قال تعالى:
سورة الغاشية (88) : الآيات 25 الى 26إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ (26)
وَهَذَا كَأَنَّهُ مِنْ صِلَةِ قَوْلِهِ: فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ الغاشية: 24 وَإِنَّمَا ذَكَرَ تَعَالَى ذَلِكَ لِيُزِيلَ بِهِ عَنْ قَلْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُزْنَهُ عَلَى كُفْرِهِمْ، فَقَالَ: طِبْ نَفْسًا عَلَيْهِمْ، وَإِنْ عَانَدُوا وَكَذَّبُوا وَجَحَدُوا فَإِنَّ مَرْجِعَهُمْ إِلَى الْمَوْعِدِ الَّذِي وَعَدْنَا، فَإِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ وَفِيهِ سُؤَالٌ: وَهُوَ أَنَّ مُحَاسَبَةَ الْكُفَّارِ إِنَّمَا تَكُونُ لِإِيصَالِ الْعِقَابِ إِلَيْهِمْ وَذَلِكَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّ نَفْسِهِ وَالْجَوَابُ: أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ إِمَّا بِحُكْمِ الْوَعْدِ الَّذِي يَمْتَنِعُ وُقُوعُ الْخُلْفِ فِيهِ، وَإِمَّا فِي الْحِكْمَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْتَقِمْ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ لَكَانَ ذَلِكَ شَبِيهًا بِكَوْنِهِ تَعَالَى رَاضِيًا بِذَلِكَ الظُّلْمِ وَتَعَالَى اللَّهُ عَنْهُ، فَلِهَذَا السبب كانت المحاسبة واجبة وهاهنا مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَدَنِيُّ: إِيابَهُمْ بِالتَّشْدِيدِ. قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : وَجْهُهُ أَنْ يكون فيعالا مصدره أَيَّبَ فَيْعَلَ مِنَ الْإِيَابِ، أَوْ يَكُونُ أَصْلُهُ أَوَّابًا فَعَّالًا مِنْ أَوَّبَ، ثُمَّ قِيلَ: إِيوَابًا كَدِيوَانٍ فِي دَوَنَ، ثُمَّ فُعِلَ بِهِ مَا فُعِلَ بِأَصْلِ سَيَدَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فَائِدَةُ تَقْدِيمِ الظَّرْفِ التَّشْدِيدُ بِالْوَعِيدِ، فَإِنَّ إِيابَهُمْ لَيْسَ إِلَّا إِلَى الْجَبَّارِ الْمُقْتَدِرِ عَلَى الِانْتِقَامِ، وَأَنَّ حِسَابَهُمْ لَيْسَ بِوَاجِبٍ إِلَّا عَلَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي يُحَاسِبُ عَلَى النَّقِيرِ وَالْقِطْمِيرِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وصحبه وسلم.