الْوَتْرُ هُوَ اللَّهُ لِوُجُوهٍ الْأَوَّلُ: أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَهُ: وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ تَقْدِيرُهُ وَرَبِّ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ، فَيَجِبُ أَنْ يُرَادَ بِالْوَتْرِ الْمَرْبُوبُ فَبَطَلَ مَا قَالُوهُ الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُذْكَرُ مَعَ غَيْرِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بَلْ يُعَظَّمُ ذِكْرُهُ حَتَّى يَتَمَيَّزَ مِنْ غَيْرِهِ،
وَرُوِيَ أَنَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سَمِعَ مَنْ يَقُولُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَنَهَاهُ، وَقَالَ: «قُلِ اللَّهُ ثُمَّ رَسُولُهُ»
قَالُوا: وَمَا
رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ وَتْرٌ يُحِبُّ الْوَتْرَ»
لَيْسَ بِمَقْطُوعٍ بِهِ وَسَادِسُهَا: أَنَّ شَيْئًا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ كَوْنِهِ شَفْعًا وَوَتْرًا فَكَأَنَّهُ يُقَالُ: أُقْسِمُ بِرَبِّ الْفَرْدِ وَالزَّوْجِ مِنْ خَلْقٍ فَدَخَلَ كُلُّ الْخَلْقِ تَحْتَهُ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ: فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وَما لَا تُبْصِرُونَ الْحَاقَّةِ: 38، 39 وَسَابِعُهَا: الشَّفْعُ دَرَجَاتُ الْجَنَّةِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ، وَالْوَتْرُ دَرَكَاتُ النَّارِ وَهِيَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهَا: الشَّفْعُ صِفَاتُ الْخَلْقِ كَالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَالْقُدْرَةِ وَالْعَجْزِ وَالْإِرَادَةِ وَالْكَرَاهِيَةِ وَالْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ، أَمَّا الْوَتْرُ فَهُوَ صِفَةُ الْحَقِّ وُجُودٌ بِلَا عَدَمٍ، حَيَاةٌ بِلَا مَوْتٍ، عِلْمٌ بِلَا جَهْلٍ، قُدْرَةٌ بِلَا عَجْزٍ، عِزٌّ بِلَا ذُلٍّ وَتَاسِعُهَا: الْمُرَادُ بِالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ، نَفْسُ الْعَدَدِ فَكَأَنَّهُ أَقْسَمَ بِالْحِسَابِ الَّذِي لَا بُدَّ لِلْخَلْقِ مِنْهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابِ وَالْبَيَانِ الَّذِي مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَى الْعِبَادِ إِذْ قَالَ: عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ الْعَلَقِ:
4، 5 ، وَقَالَ: عَلَّمَهُ الْبَيانَ الرَّحْمَنِ: 4 . وَكَذَلِكَ بِالْحِسَابِ، يُعْرَفُ مَوَاقِيتُ الْعِبَادَاتِ وَالْأَيَّامُ وَالشُّهُورُ، قَالَ تَعَالَى: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ الرَّحْمَنِ: 5 وَقَالَ: لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُونُسَ: 5 وَعَاشِرُهَا: قَالَ مُقَاتِلٌ الشَّفْعُ هُوَ الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي وَالْوَتْرُ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي لَا لَيْلَ بَعْدَهُ وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ الْحَادِيَ عَشَرَ: الشَّفْعُ كُلُّ نَبِيٍّ لَهُ اسْمَانِ مِثْلُ مُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ وَالْمَسِيحِ وَعِيسَى وَيُونُسَ وَذِي النُّونِ وَالْوَتْرُ كُلُّ نَبِيٍّ لَهُ اسْمٌ وَاحِدٌ مِثْلُ آدَمَ وَنُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ الثَّانِيَ عَشَرَ: الشَّفْعُ آدَمُ وَحَوَّاءُ وَالْوَتْرُ مَرْيَمُ الثَّالِثَ عَشَرَ:
الشَّفْعُ الْعُيُونُ الِاثْنَتَا عَشْرَةَ، الَّتِي فَجَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْوَتْرُ الْآيَاتُ التِّسْعُ الَّتِي أُوتِيَ مُوسَى فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ الْإِسْرَاءِ: 101 ، الرَّابِعَ عَشَرَ: الشَّفْعُ أَيَّامُ عَادٍ وَالْوَتْرُ لَيَالِيهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً الْحَاقَّةِ: 7 الْخَامِسَ عَشَرَ: الشَّفْعُ الْبُرُوجُ الِاثْنَا عَشَرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً الْفُرْقَانِ: 61 وَالْوَتْرُ الْكَوَاكِبُ السَّبْعَةُ السَّادِسَ عَشَرَ: الشَّفْعُ الشَّهْرُ الَّذِي يَتِمُّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَالْوَتْرُ الشَّهْرُ الَّذِي يَتِمُّ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا السَّابِعَ عَشَرَ: الشَّفْعُ الْأَعْضَاءُ وَالْوَتْرُ الْقَلْبُ، قَالَ تَعَالَى: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ الأحزاب: 4 ، الثَّامِنَ عَشَرَ: الشَّفْعُ الشَّفَتَانِ/ وَالْوَتْرُ اللِّسَانُ قَالَ تَعَالَى:
وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ الْبَلَدِ: 9 التَّاسِعَ عَشَرَ: الشَّفْعُ السَّجْدَتَانِ وَالْوَتْرُ الرُّكُوعُ الْعِشْرُونَ: الشَّفْعُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ لِأَنَّهَا ثَمَانِيَةٌ وَالْوَتْرُ أَبْوَابُ النَّارِ لِأَنَّهَا سَبْعَةٌ، وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ، أَنَّ الشَّفْعَ وَالْوَتْرَ أَمْرَانِ شَرِيفَانِ، أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمَا، وَكُلُّ هَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مُحْتَمَلٌ، وَالظَّاهِرُ لَا إِشْعَارَ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى التَّعْيِينِ، فَإِنْ ثَبَتَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا خَبَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ إِجْمَاعٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ حُكِمَ بِأَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ عَلَى طَرِيقَةِ الْجَوَازِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَطْعِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ أَيْضًا: إِنِّي أَحْمِلُ الْكَلَامَ عَلَى الْكُلِّ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ تُفِيدُ الْعُمُومَ، أما قوله تعالى: وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ ففيه مسائل:
المسألة الأولى: إِذا يَسْرِ إِذَا يَمْضِي كَمَا قَالَ: وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ الْمُدَّثِّرِ: 33 وَقَوْلِهِ: وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ التَّكْوِيرِ: 17 وَسُرَاهَا ومضيها وَانْقِضَاؤُهَا أَوْ يُقَالُ: سُرَاهَا هُوَ السَّيْرُ فِيهَا، وقال قتادة: إِذا يَسْرِ أَيْ إِذَا جَاءَ وَأَقْبَلَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ لَيْلَةً مَخْصُوصَةً بَلِ الْعُمُومَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَاللَّيْلِ إِذْ