رَبِّكَ، وَهِيَ السَّعَادَاتُ الرُّوحَانِيَّةُ وَالْمَعَارِفُ الرَّبَّانِيَّةُ الَّتِي هِيَ بَاقِيَةٌ أَبَدِيَّةٌ. وَلْنَشْرَعِ الْآنَ فِي التَّفْسِيرِ قوله تعالى:
إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ في قوله تعالى إِنَّا أَعْطَيْناكَ اعْلَمْ أَنَّ فِيهِ فَوَائِدَ:
الْفَائِدَةُ الْأُولَى: أَنَّ هذه السورة كالتتمة لما قبلها من السور، وَكَالْأَصْلِ لِمَا بَعْدَهَا مِنَ السُّوَرِ. أَمَّا أَنَّهَا كَالتَّتِمَّةِ لِمَا قَبْلَهَا مِنَ السُّوَرِ، فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ سُورَةَ وَالضُّحَى فِي مَدْحِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَتَفْصِيلِ أَحْوَالِهِ، فَذَكَرَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ تَتَعَلَّقُ بِنُبُوَّتِهِ أَوَّلُهَا: قوله: ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى، وَثَانِيهَا: قَوْلُهُ:
وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى الضُّحَى: 4 وثالثها: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى ثُمَّ خَتَمَ هَذِهِ السُّورَةَ بِذِكْرِ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيَا وَهِيَ قَوْلُهُ: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى الضُّحَى: 6- 8 .
ثُمَّ ذَكَرَ فِي سُورَةِ: أَلَمْ نَشْرَحْ أَنَّهُ شَرَّفَهُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَوَّلُهَا: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَثَانِيهَا:
وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ، وثالثها: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ.
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى شَرَّفَهُ فِي سُورَةِ التِّينِ بِثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ التَّشْرِيفِ أَوَّلُهَا: أَنَّهُ أَقْسَمَ ببلده وهو قوله: وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ، وَثَانِيهَا: أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ خَلَاصِ أُمَّتِهِ عَنِ النار وهو قوله: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا، وَثَالِثُهَا: وُصُولُهُمْ إِلَى الثَّوَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ: فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ.
ثُمَّ شَرَّفَهُ فِي سُورَةِ اقْرَأْ بِثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ من التشريفات أولها: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ أَيِ اقْرَأِ الْقُرْآنَ عَلَى الْحَقِّ مُسْتَعِينًا بِاسْمِ رَبِّكَ وَثَانِيهَا: أَنَّهُ قَهَرَ خَصْمَهُ بِقَوْلِهِ: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ، وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ خَصَّهُ بِالْقُرْبَةِ التَّامَّةِ وَهُوَ: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ.
وَشَرَّفَهُ فِي سُورَةِ الْقَدْرِ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ الَّتِي لَهَا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ مِنَ الْفَضِيلَةِ أَوَّلُهَا: كَوْنُهَا خيرا من ألف شهر، وثانيها: نزول الملائكة والروح فيها وثالثها: كونها: سلاما حتى مطلع الفجر.
وَشَرَّفَهُ فِي سُورَةِ لَمْ يَكُنْ بِأَنْ شَرَّفَ أُمَّتَهُ بِثَلَاثَةِ تَشْرِيفَاتٍ أَوَّلُهَا: أَنَّهُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ وثانيها: أن جزاؤهم عند ربهم جنات، وثالثها: رضا اللَّهُ عَنْهُمْ.
وَشَرَّفَهُ فِي سُورَةِ إِذَا زُلْزِلَتْ بِثَلَاثِ تَشْرِيفَاتٍ: أَوَّلُهَا: قَوْلُهُ: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَرْضَ تَشْهَدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأُمَّتِهِ بِالطَّاعَةِ وَالْعُبُودِيَّةِ وَالثَّانِي: قَوْلُهُ: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تُعْرَضُ عَلَيْهِمْ طَاعَاتُهُمْ فَيَحْصُلُ لَهُمُ الْفَرَحُ وَالسُّرُورُ، وَثَالِثُهَا: قَوْلِهِ: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَعْرِفَةُ اللَّهِ لَا شَكَّ أَنَّهَا أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ عَظِيمٍ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَصِلُوا إِلَى ثَوَابِهَا ثُمَّ شَرَّفَهُ فِي سُورَةِ الْعَادِيَاتِ بِأَنْ أَقْسَمَ بِخَيْلِ الْغُزَاةِ مِنْ أُمَّتِهِ فَوَصَفَ/ تِلْكَ الْخَيْلَ بِصِفَاتٍ ثَلَاثٍ: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً، فَالْمُورِياتِ قَدْحاً، فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً.
ثُمَّ شَرَّفَ أُمَّتَهُ فِي سُورَةِ الْقَارِعَةِ بِأُمُورٍ ثَلَاثَةٍ أَوَّلُهَا: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ وَثَانِيهَا: أَنَّهُمْ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَثَالِثُهَا: أَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَعْدَاءَهُمْ في نار حامية.
في شَرَّفَهُ فِي سُورَةِ أَلْهَاكُمْ بِأَنْ بَيَّنَ أَنَّ الْمُعْرِضِينَ عَنْ دِينِهِ وَشَرْعِهِ يَصِيرُونَ مُعَذَّبِينَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَوَّلُهَا:
أَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْجَحِيمَ وَثَانِيهَا: أَنَّهُمْ يَرَوْنَهَا عَيْنَ الْيَقِينِ وَثَالِثُهَا: أَنَّهُمْ يُسْأَلُونَ عن النعيم.