رَكَعَاتٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ صَلَاةُ الضُّحَى وَقَالَ آخَرُونَ صَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ أَرْبَعَةٌ لِلشُّكْرِ وَأَرْبَعَةٌ الضُّحَى وَتَسْمِيَةُ الصَّلَاةِ بِالتَّسْبِيحِ لِمَا أَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ: عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ تَنْزِيهُ صَلَاتِكَ عَنْ أَنْوَاعِ النَّقَائِصِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، وَاحْتَجَّ/ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِالْأَخْبَارِ الْكَثِيرَةِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ،
رَوَتْ عَائِشَةُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، وَقَالَتْ أَيْضًا: كَانَ الرَّسُولُ يَقُولُ كَثِيرًا فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَعَنْهَا أَيْضًا كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ فِي آخِرِ أَمْرِهِ لَا يَقُومُ وَلَا يَقْعُدُ وَلَا يَذْهَبُ وَلَا يَجِيءُ إِلَّا قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله إنك تكثر من قوله سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ قَالَ: إِنِّي أُمِرْتُ بِهَا، وَقَرَأَ: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الْغَفُورُ»
وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ» .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْآيَةُ تَدُلُّ على فضل التسبيح والتحميد حيث يجعل كَافِيًا فِي أَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ شُكْرِ نِعْمَةِ النَّصْرِ وَالْفَتْحِ، وَلِمَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ
وَقَوْلُهُ: «الصَّوْمُ لِي»
مِنْ أَعْظَمِ الْفَضَائِلِ لِلصَّوْمِ فَإِنَّهُ أَضَافَهُ إِلَى ذَاتِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ جَعَلَ صَدَفَ الصَّلَاةِ مُسَاوِيًا لِلصَّوْمِ فِي هَذَا التَّشْرِيفِ: وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ الْجِنِّ: 18 فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنَ الصَّوْمِ بِكَثِيرٍ، ثُمَّ إِنَّ الصَّلَاةَ صَدَفٌ لِلْأَذْكَارِ وَلِذَلِكَ قَالَ: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ الْعَنْكَبُوتِ: 45 وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ مِمَّا مَدَحَهُ مَعْلُومٌ عَقْلًا وَشَرْعًا أَمَّا كَيْفِيَّةُ الصَّلَاةِ فَلَا سَبِيلَ إِلَيْهَا إِلَّا بِالشَّرْعِ وَلِذَلِكَ جُعِلَتِ الصَّلَاةُ كَالْمُرَصَّعَةِ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ. فَإِنْ قِيلَ: عَدَمُ وُجُوبِ التَّسْبِيحَاتِ يَقْتَضِي أَنَّهَا أَقَلُّ دَرَجَةً مِنْ سَائِرِ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ. قُلْنَا الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ سَائِرَ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ مِمَّا لَا يَمِيلُ الْقَلْبُ إِلَيْهِ فَاحْتِيجَ فِيهَا إِلَى الْإِيجَابِ أَمَّا التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ فَالْعَقْلُ دَاعٍ إِلَيْهِ وَالرُّوحُ عَاشِقٌ عَلَيْهِ فَاكْتَفَى بِالْحُبِّ الطَّبِيعِيِّ وَلِذَلِكَ قَالَ: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا الْبَقَرَةِ: 165 ، وَثَانِيهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: فَسَبِّحْ أَمْرٌ وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لِلْوُجُوبِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَمَنْ قَالَ: الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لِلنَّدْبِ قَالَ: إِنَّهُ هاهنا لِلْوُجُوبِ بِقَرِينَةِ أَنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهِ الِاسْتِغْفَارَ وَالِاسْتِغْفَارُ وَاجِبٌ وَمِنْ حَقِّ الْعَطْفِ التَّشْرِيكُ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَثَالِثُهَا: أَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَكَانَ الْعِقَابُ الْحَاصِلُ بِتَرْكِهَا أَعْظَمَ إِظْهَارًا لِمَزِيدِ تَعْظِيمِهَا فَتَرَكَ الْإِيجَابَ خَوْفًا مِنْ هَذَا الْمَحْذُورِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: أَمَّا الْحَمْدُ فَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ، وَأَمَّا تَفْسِيرُ قَوْلِهِ: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ فَذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا:
أَحَدُهَا: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» أَيْ قُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مُتَعَجِّبًا مِمَّا أَرَاكَ مِنْ عَجِيبِ إِنْعَامِهِ أَيِ اجْمَعْ بَيْنَهُمَا تَقُولُ: شَرِبْتُ الْمَاءَ بِاللَّبَنِ إِذَا جَمَعْتَ بَيْنَهُمَا خَلْطًا وَشُرْبًا وَثَانِيهَا: إِنَّكَ إِذَا حَمِدْتَ اللَّهَ فَقَدْ سَبَّحْتَهُ لِأَنَّ التَّسْبِيحَ دَاخِلٌ فِي الْحَمْدِ لِأَنَّ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ وَالشُّكْرَ لَهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَتَضَمَّنَ تَنْزِيهَهُ عَنِ النَّقَائِصِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُسْتَحِقًّا لِلثَّنَاءِ إِلَّا إِذَا كَانَ مُنَزَّهًا عَنِ النَّقْصِ وَلِذَلِكَ جَعَلَ مِفْتَاحَ الْقُرْآنِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ وَعِنْدَ فَتْحِ مَكَّةَ
قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَصَرَ عَبْدَهُ،
وَلَمْ يَفْتَتِحْ كَلَامَهُ بِالتَّسْبِيحِ فَقَوْلُهُ: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ مَعْنَاهُ سَبِّحْهِ بِوَاسِطَةِ أَنْ تَحْمَدَهُ أَيْ سَبِّحْهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَثَالِثُهَا: / أَنْ يَكُونَ حَالًا، وَمَعْنَاهُ سَبِّحْ حَامِدًا كَقَوْلِكَ: اخْرُجْ بِسِلَاحِكَ أَيْ مُتَسَلِّحًا وَرَابِعُهَا: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ سَبِّحْ مُقَدِّرًا أَنْ تَحْمَدَ بَعْدَ التَّسْبِيحِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَا يَتَأَتَّى لَكَ الْجَمْعُ لَفْظًا فَاجْمَعْهُمَا نِيَّةً كَمَا أَنَّكَ يَوْمَ النَّحْرِ تَنْوِي الصَّلَاةَ مُقَدِّرًا أَنْ تَنْحَرَ بَعْدَهَا، فَيَجْتَمِعُ لَكَ الثوابان في تلك الساعة كذا هاهنا وَخَامِسُهَا: أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْبَاءُ هِيَ الَّتِي فِي قَوْلِكَ: فَعَلْتُ هَذَا بِفَضْلِ اللَّهِ، أَيْ سَبِّحْهِ بِحَمْدِ اللَّهِ وَإِرْشَادِهِ وَإِنْعَامِهِ، لَا بِحَمْدِ غيره،