هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ»
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ القول بالثلاثة سبب لخراب السموات وَالْأَرْضِ بِدَلِيلِ قَوْلَهُ: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ مَرْيَمَ: 90 فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ التَّوْحِيدُ سَبَبًا لِعِمَارَةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَقِيلَ السَّبَبُ فِيهِ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا الْأَنْبِيَاءِ: 22 الرَّابِعَ عَشَرَ: سُورَةُ الْمَانِعَةِ
رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: لِنَبِيِّهِ حِينَ عُرِجَ بِهِ أَعْطَيْتُكَ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ وَهِيَ مِنْ ذَخَائِرِ كُنُوزِ عَرْشِي، وَهِيَ الْمَانِعَةُ تَمْنَعُ عَذَابَ الْقَبْرِ وَلَفَحَاتِ النِّيرَانِ
الْخَامِسَ عَشَرَ: سُورَةُ الْمَحْضَرِ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَحْضُرُ لِاسْتِمَاعِهَا إِذَا قُرِئَتْ السَّادِسَ عَشَرَ: الْمُنَفِّرَةُ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ عِنْدَ قِرَاءَتِهَا السَّابِعَ عَشَرَ: الْبَرَاءَةُ لأنه
روي أنه عليه السلام رأى رجل يَقْرَأُ هَذِهِ السُّورَةَ فَقَالَ: أَمَّا هَذَا فَقَدَ برىء مِنَ الشِّرْكِ،
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَنْ قَرَأَ سُورَةَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مِائَةَ مَرَّةٍ فِي صَلَاةٍ أَوْ فِي غَيْرِهَا كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ
الثَّامِنَ عَشَرَ: سُورَةُ الْمُذَكِّرَةِ لِأَنَّهَا تُذَكِّرُ الْعَبْدَ خَالِصَ التَّوْحِيدِ فَقِرَاءَةُ السُّورَةِ كَالْوَسْمَةِ تُذَكِّرُكَ مَا تَتَغَافَلُ عَنْهُ مِمَّا أَنْتَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ التَّاسِعَ عَشَرَ: سُورَةُ النُّورِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ النُّورِ: 35 فهو المنور للسموات وَالْأَرْضِ، وَالسُّورَةُ تُنَوِّرُ قَلْبَكَ
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إن كل شيء نور وَنُورُ الْقُرْآنِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ»
وَنَظِيرُهُ أَنَّ نُورَ الْإِنْسَانِ فِي أَصْغَرِ أَعْضَائِهِ وَهُوَ الْحَدَقَةُ، فَصَارَتِ السُّورَةُ لِلْقُرْآنِ كَالْحَدَقَةِ لِلْإِنْسَانِ الْعِشْرُونَ: سُورَةُ الْأَمَانِ
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِذَا قَالَ الْعَبْدُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ حِصْنِي وَمَنْ دَخَلَ حِصْنِي أَمِنَ مِنْ عَذَابِي» .
الْفَصْلُ الرَّابِعُ: فِي فَضَائِلِ هَذِهِ السُّورَةِ وَهِيَ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ: اشْتُهِرَ فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّ قِرَاءَةَ هَذِهِ السُّورَةِ تَعْدِلُ قِرَاءَةَ ثُلُثِ الْقُرْآنِ، وَلَعَلَّ الْغَرَضَ مِنْهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَشْرَفَ مِنْ جَمِيعِ الشَّرَائِعِ وَالْعِبَادَاتِ، مَعْرِفَةُ ذَاتِ اللَّهِ وَمَعْرِفَةُ صِفَاتِهِ وَمَعْرِفَةُ أَفْعَالِهِ، وَهَذِهِ السُّورَةُ مُشْتَمِلَةٌ/ عَلَى مَعْرِفَةِ الذَّاتِ، فَكَانَتْ هَذِهِ السُّورَةُ مُعَادِلَةً لِثُلُثِ الْقُرْآنِ، وأما سورة: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ فَهِيَ مُعَادِلَةٌ لِرُبْعِ الْقُرْآنِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْقُرْآنِ إِمَّا الْفِعْلُ وَإِمَّا التَّرْكُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهُوَ إِمَّا فِي أَفْعَالِ الْقُلُوبِ وَإِمَّا فِي أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ فَالْأَقْسَامُ أَرْبَعَةٌ، وَسُورَةُ: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لِبَيَانِ مَا يَنْبَغِي تَرْكُهُ مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ، فَكَانَتْ فِي الْحَقِيقَةِ مُشْتَمِلَةً عَلَى رُبْعِ الْقُرْآنِ، وَمِنْ هَذَا السَّبَبِ اشْتَرَكَتِ السُّورَتَانِ أَعْنِي: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ، وَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فِي بَعْضِ الْأَسَامِي فَهُمَا الْمُقَشْقِشَتَانِ وَالْمُبَرِّئَتَانِ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تُفِيدُ بَرَاءَةَ الْقَلْبِ عَمَّا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى، إِلَّا أَنَّ: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ يُفِيدُ بِلَفْظِهِ الْبَرَاءَةَ عَمَّا سِوَى اللَّهِ وَمُلَازَمَةَ الِاشْتِغَالِ بِاللَّهِ وَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يُفِيدُ بِلَفْظِهِ الِاشْتِغَالَ بِاللَّهِ وَمُلَازَمَةَ الْإِعْرَاضِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ أَوْ مِنْ حَيْثُ إِنَّ: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ تُفِيدُ بَرَاءَةَ الْقَلْبِ عَنْ سَائِرِ الْمَعْبُودِينَ سِوَى اللَّهِ، وَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تُفِيدُ بَرَاءَةَ الْمَعْبُودِ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ الْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لِكَوْنِهَا صِدْقًا لِلْقُرْآنِ كَانَتْ خَيْرًا مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ فَالْقُرْآنُ كُلُّهُ صَدَفٌ وَالدُّرُّ هُوَ قَوْلُهُ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَلَا جَرَمَ حَصَلَتْ لَهَا هَذِهِ الْفَضِيلَةُ الْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنَّ الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ دَلَّ عَلَى أَنَّ أَعْظَمَ دَرَجَاتِ الْعَبْدِ أَنْ يَكُونَ قَلْبُهُ مُسْتَنِيرًا بِنُورِ جَلَالِ اللَّهِ وَكِبْرِيَائِهِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ، فَكَانَتْ هَذِهِ السُّورَةُ أَعْظَمَ السُّوَرِ، فَإِنْ قِيلَ: فَصِفَاتُ اللَّهِ أَيْضًا مَذْكُورَةٌ فِي سَائِرِ السُّوَرِ، قُلْنَا: لَكِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ لَهَا خَاصِّيَّةٌ وَهِيَ أَنَّهَا لِصِغَرِهَا فِي الصُّورَةِ تَبْقَى مَحْفُوظَةً فِي الْقُلُوبِ مَعْلُومَةً لِلْعُقُولِ فَيَكُونُ ذِكْرُ جَلَالِ اللَّهِ حَاضِرًا أَبَدًا بِهَذَا السَّبَبِ، فَلَا جَرَمَ امْتَازَتْ عَنْ سَائِرِ السُّوَرِ بِهَذِهِ الفضائل ولنرجع الْآنَ إِلَى التَّفْسِيرِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فِيهِ مَسَائِلُ: