أَلَا بَكَّرَ النَّاعِي بِخَيْرِ بَنِي أَسَدٍ
... بِعَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ وَبِالسَّيِّدِ الصَّمَدِ
وَقَالَ أَيْضًا:
عَلَوْتُهُ بِحُسَامِي ثُمَّ قُلْتُ لَهُ
... خُذْهَا حُذَيْفُ فَأَنْتَ السَّيِّدُ الصَّمَدُ
وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّفْسِيرِ مَا
رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ: «أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالُوا: مَا الصَّمَدُ؟ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ السَّيِّدُ الَّذِي يُصْمَدُ إِلَيْهِ فِي الْحَوَائِجِ»
وَقَالَ اللَّيْثُ: صَمَدْتُ صَمَدَ هَذَا الْأَمْرِ أَيْ قَصَدْتُ قَصْدَهُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الصَّمَدَ هُوَ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ، وَمِنْهُ يُقَالُ: لِسِدَادِ الْقَارُورَةِ الصِّمَادُ، وَشَيْءٌ مُصْمَدٌ أَيْ صُلْبٌ لَيْسَ فِيهِ رَخَاوَةٌ، وَقَالَ قَتَادَةُ: وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ: الدَّالُ فِيهِ مُبْدَلَةٌ مِنَ التَّاءِ وَهُوَ الْمُصْمَتُ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ: الصَّمَدُ هُوَ الْأَمْلَسُ مِنَ الْحَجَرِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الْغُبَارَ وَلَا يَدْخُلُهُ شَيْءٌ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدِ اسْتَدَلَّ قَوْمٌ مِنْ جُهَّالِ الْمُشَبِّهَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي أَنَّهُ تَعَالَى جِسْمٌ، وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ كونه أحدا ينافي جِسْمًا فَمُقَدِّمَةُ هَذَا الْآيَةِ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الصَّمَدِ هَذَا الْمَعْنَى، وَلِأَنَّ الصَّمَدَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ صِفَةُ الْأَجْسَامِ الْمُتَضَاغِطَةِ وَتَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، فَإِذَنْ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَجَازِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجِسْمَ الَّذِي يَكُونُ كَذَلِكَ يَكُونُ عَدِيمَ الِانْفِعَالِ وَالتَّأَثُّرِ عَنِ الْغَيْرِ وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى كَوْنِهِ سُبْحَانَهُ وَاجِبًا لِذَاتِهِ مُمْتَنِعَ التَّغَيُّرِ فِي وُجُودِهِ وَبَقَائِهِ وَجَمِيعِ صِفَاتِهِ، فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَحْثِ اللُّغَوِيِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ.
وَأَمَّا الْمُفَسِّرُونَ فَقَدْ نُقِلَ عَنْهُمْ وُجُوهٌ، بَعْضُهَا يَلِيقُ بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ كَوْنُهُ تَعَالَى سَيِّدًا مَرْجُوعًا إِلَيْهِ فِي دَفْعِ الْحَاجَاتِ، وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الصِّفَاتِ الْإِضَافِيَّةِ، وَبَعْضُهَا بِالْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ كَوْنُهُ تَعَالَى وَاجِبَ الْوُجُودِ فِي ذَاتِهِ وَفِي صِفَاتِهِ مُمْتَنِعَ التَّغَيُّرِ فِيهِمَا وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ وَتَارَةً يُفَسِّرُونَ الصَّمَدَ بِمَا يَكُونُ جَامِعًا لِلْوَجْهَيْنِ.
أَمَّا النَّوْعُ الْأَوَّلُ: فَذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا: الْأَوَّلُ: الصَّمَدُ هُوَ الْعَالِمُ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ لِأَنَّ كَوْنَهُ سَيِّدًا مَرْجُوعًا إِلَيْهِ فِي قَضَاءِ الْحَاجَاتِ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِذَلِكَ الثَّانِي: الصَّمَدُ هُوَ الْحَلِيمُ لِأَنَّ كَوْنَهُ سَيِّدًا يَقْتَضِي الْحِلْمَ وَالْكَرَمَ الثَّالِثُ:
وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالضَّحَّاكِ الصَّمَدُ هُوَ السَّيِّدُ الَّذِي قَدِ انْتَهَى سُؤْدُدُهُ الرَّابِعُ: قَالَ الْأَصَمُّ: الصَّمَدُ هُوَ الْخَالِقُ لِلْأَشْيَاءِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ كَوْنَهُ سَيِّدًا يَقْتَضِي ذَلِكَ الْخَامِسُ: قَالَ السُّدِّيُّ: الصَّمَدُ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي الرَّغَائِبِ، الْمُسْتَغَاثُ بِهِ عِنْدَ الْمَصَائِبِ السَّادِسُ: قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ: الصَّمَدُ هُوَ الَّذِي يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَلَا رَادَّ لِقَضَائِهِ السَّابِعُ: أَنَّهُ السَّيِّدُ الْمُعَظَّمُ الثَّامِنُ: أَنَّهُ الْفَرْدُ الْمَاجِدُ لَا يُقْضَى فِي أَمْرٍ دُونَهُ.
وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي: وَهُوَ الْإِشَارَةُ إِلَى الصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ فَذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا: الْأَوَّلُ: الصَّمَدُ هُوَ الْغَنِيُّ عَلَى مَا قَالَ: هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ الْحَدِيدِ: 24 الثَّانِي: الصَّمَدُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ أَحَدٌ لِقَوْلِهِ: وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ الْأَنْعَامِ: 18 وَلَا يَخَافُ مَنْ فَوْقَهُ، وَلَا يَرْجُو مَنْ دُونَهُ تُرْفَعُ الْحَوَائِجُ إِلَيْهِ الثَّالِثُ: قَالَ قَتَادَةُ: لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ: وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ الْأَنْعَامِ: 14 الرَّابِعُ: قَالَ قَتَادَةُ: الْبَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ خَلْقِهِ: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ الرَّحْمَنِ: 26 الْخَامِسُ: قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ، وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الزَّوَالُ كَانَ وَلَا مَكَانَ، وَلَا أَيْنَ وَلَا أَوَانَ، وَلَا عَرْشَ وَلَا كُرْسِيَّ، وَلَا جِنِّيَّ وَلَا إِنْسِيَّ وَهُوَ الْآنَ كَمَا كَانَ السَّادِسُ: قَالَ أُبَيُّ بن