مِنْ ظَهْرِهِ، أَوْ مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ فِي الْبِلَادِ الشَّمَالِيَّةِ مِنْ مَكَّةَ، وَفِي الْبِلَادِ الْجَنُوبِيَّةِ مِنْهَا، كَالْيَمَنِ وَمَا وَرَاءَهَا يَقَعُ فِي مُقَابَلَةِ الْمُسْتَقْبِلِ فَلْيَعْلَمْ ذَلِكَ وَمَا عَرَفَهُ بِبَلَدِهِ فَلْيُعَوِّلْ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِ كُلِّهِ، إِلَّا إِذَا طَالَ السَّفَرُ فَإِنَّ الْمَسَافَةَ إِذَا بَعُدَتِ اخْتَلَفَ مَوْقِعُ الشَّمْسِ، وَمَوْقِعُ الْقُطْرِ، / وَمَوْقِعُ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ إِلَى بَلَدٍ، فَيَنْبَغِي أن يسأل أهل البصرة أَوْ يُرَاقِبَ هَذِهِ الْكَوَاكِبَ وَهُوَ مُسْتَقْبَلَ مِحْرَابِ جَامِعِ الْبَلَدِ حَتَّى يَتَّضِحَ لَهُ ذَلِكَ فَمَهْمَا تَعَلَّمَ هَذِهِ الْأَدِلَّةَ فَلَهُ أَنْ يُعَوِّلَ عَلَيْهَا.
وَأَمَّا الطَّرِيقَةُ الْيَقِينِيَّةُ وَهِيَ الْوُجُوهُ الْمَذْكُورَةُ فِي كُتُبِ الْهَيْئَةِ قَالُوا: سَمْتُ الْقِبْلَةِ نُقْطَةُ التَّقَاطُعِ بَيْنَ دَائِرَةِ الْأُفُقِ، وَبَيْنَ دَائِرَةٍ عَظِيمَةٍ تَمُرُّ بسمت رؤسنا ورؤوس أَهْلِ مَكَّةَ، وَانْحِرَافُ الْقِبْلَةِ قَوْسٌ مِنْ دَائِرَةِ الْأُفُقِ مَا بَيْنَ سَمْتِ الْقِبْلَةِ دَائِرَةُ نِصْفِ النَّهَارِ فِي بَلَدِنَا، وَمَا بَيْنَ سَمْتِ الْقِبْلَةِ وَمَغْرِبِ الِاعْتِدَالِ تَمَامُ الِانْحِرَافِ قَالُوا: وَيَحْتَاجُ فِي مَعْرِفَةِ سَمْتِ الْقِبْلَةِ إِلَى مَعْرِفَةِ طُولِ مَكَّةَ وَعَرْضِهَا، فَإِنْ كَانَ طُولُ الْبَلَدِ مُسَاوِيًا لِطُولِ مَكَّةَ وَعَرْضُهَا مُخَالِفٌ لِعَرْضِ مَكَّةَ، كَانَ سَمْتُ قِبْلَتِهَا عَلَى خَطِّ نِصْفِ النَّهَارِ فَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ شَمَالِيًّا فَإِلَى الْجَنُوبِ وَإِنْ كَانَ جَنُوبِيًّا فَإِلَى الشَّمَالِيِّ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ عَرْضُ الْبَلَدِ مُسَاوِيًا لِعَرْضِ مَكَّةَ وَطُولُهُ مُخَالِفًا لِطُولِهَا فَقَدْ يُظَنُّ أَنَّ سَمْتَ قِبْلَةِ ذَلِكَ الْبَلَدِ عَلَى خَطِّ الِاعْتِدَالِ وَهُوَ ظَنٌّ خَطَأٌ وَقَدْ يُمْكِنُ أَيْضًا فِي الْبِلَادِ الَّتِي أَطْوَالُهَا وَعُرُوضُهَا مُخَالِفَةٌ لِطُولِ مَكَّةَ وَعَرْضِهَا، أَنْ يَكُونَ سَمْتُ قِبْلَتِهَا مطلع الاعتدال ومعربه وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنِ اسْتِخْرَاجِ قَدْرِ الِانْحِرَافِ وَلِذَلِكَ طُرُقٌ أَسْهَلُهَا أَنْ يُعْرَفَ الجزء الذي يسامت رؤس أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ فَلَكِ الْبُرُوجِ وَهُوَ (زَيْحٌ) مِنَ الْجَوْزَاءِ (وَكَجٌّ ح) مِنْ السَّرَطَانِ فَيَضَعُ ذَلِكَ الْجُزْءَ عَلَى خَطٍّ وَسَطَ السَّمَاءِ فِي الِاسْطِرْلَابِ الْمَعْمُولِ لِعَرْضِ الْبَلَدِ، وَيُعَلِّمُ عَلَى الْمَرْئِيِّ عَلَامَةً، ثُمَّ يُدِيرُ الْعَنْكَبُوتَ إِلَى نَاحِيَةِ الْمَغْرِبِ إِنْ كَانَ الْبَلَدُ شَرْقِيًّا عَنْ مَكَّةَ كَمَا فِي بِلَادِ خُرَاسَانَ وَالْعِرَاقِ بِقَدْرِ مَا بَيْنَ الطُّولَيْنِ مِنْ أَجْزَاءِ الْخَجَرَةِ ثُمَّ يَنْظُرُ أَيْنَ وَقَعَ ذَلِكَ الْجُزْءُ مِنْ مُقَنْطَرَاتِ الِارْتِفَاعِ فَمَا كَانَ فَهُوَ الِارْتِفَاعُ الَّذِي عِنْدَهُ يُسَامِتُ ذَلِكَ الجزء رؤوس أَهْلِ مَكَّةَ، ثُمَّ يَرْصُدُ مُسَامَتَةَ الشَّمْسِ ذَلِكَ الْجُزْءُ فَإِذَا انْتَهَى ارْتِفَاعُ الشَّمْسِ إِلَى ذَلِكَ الارتفاع فقد سامتت الشمس رؤس أَهْلِ مَكَّةَ فَيَنْصِبُ مِقْيَاسًا وَيَخُطُّ عَلَى ظِلِّ الْمِقْيَاسِ خَطًّا مِنْ مَرْكَزِ الْعَمُودِ إِلَى طَرَفِ الظِّلِّ فَذَلِكَ الْخَطُّ خَطُّ الظِّلِّ فَيَبْنِي عَلَيْهِ الْمِحْرَابَ فَهَذَا هُوَ الْكَلَامُ فِي دَلَائِلَ الْقِبْلَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: مَعْرِفَةُ دَلَائِلِ الْقِبْلَةِ فَرْضٌ عَلَى الْعَيْنِ أَمْ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فَرْضٌ عَلَى الْعَيْنِ، لِأَنَّ كُلَّ مُكَلَّفٍ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالِاسْتِقْبَالِ وَلَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِقْبَالُ إِلَّا بِوَاسِطَةِ مَعْرِفَةِ دَلَائِلِ الْقِبْلَةِ، وَمَا لَا يَتَأَدَّى الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: اعلم أن قوله تعالى: وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ عَامٌّ فِي الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ، إِلَّا أَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الِاسْتِقْبَالَ خَارِجَ الصَّلَاةِ غَيْرُ وَاجِبٍ، بَلْ إِنَّهُ طَاعَةٌ
لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «خَيْرُ الْمَجَالِسِ مَا اسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةُ»
فَبَقِيَ أَنَّ وُجُوبَ الِاسْتِقْبَالِ مِنْ خَوَاصِّ الصَّلَاةِ، ثُمَّ نَقُولُ: الرَّجُلُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَايِنًا لِلْقِبْلَةِ أَوْ غَائِبًا عَنْهَا، أَمَّا الْمُعَايِنُ فَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ، وَأَمَّا الْغَائِبُ فَإِمَّا أن يكون قادر عَلَى تَحْصِيلِ الْيَقِينِ أَوْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الظَّنِّ أَوْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الْيَقِينِ وَلَا عَلَى تَحْصِيلِ الظن فهذه أقسام ثلاثة:
أقسام الأشخاص بالنسبة إلى القبلة الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: الْقَادِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الْعِلْمِ وَفِيهِ بَحْثَانِ:
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: قَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الْغَائِبَ عَنِ الْقِبْلَةِ لَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى تَحْصِيلِ الْيَقِينِ بِجِهَةِ الْقِبْلَةِ إِلَّا بِالدَّلَائِلِ الْهَنْدَسِيَّةِ