لِذَاتِهَا، فَوُجُوبُ وُجُودِهَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ عَيْنَ الذَّاتِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ صِفَةٌ لِانْتِسَابِ الْمَوْضُوعِ إِلَى الْمَحْمُولِ بِالْمَوْصُوفِيَّةِ وَالِانْتِسَابُ مُغَايِرٌ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مُغَايِرٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ حَيْثُ هُوَ فَلَأَنْ تَكُونَ صِفَةُ ذَلِكَ الِانْتِسَابِ مُغَايِرَةً لَهُمَا أَوْلَى، وَأَيْضًا فَالذَّاتُ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مُسَمَّى الْوَاجِبِ أَمْرًا قَائِمًا بِالنَّفْسِ وَلِأَنَّا نَصِفُ الذَّاتَ بِالْوُجُوبِ وَوَصْفُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ مُحَالٌ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ وَجَبَ مَوْجُودٌ وَاجِبُ الْوُجُودِ لَكَانَ وُجُوبُ وُجُودِهِ زَائِدًا عَلَى ذَاتِهِ، فَهُنَاكَ أَمْرَانِ تِلْكَ الذَّاتُ مَعَ ذَلِكَ الْوُجُوبِ وَمَعَ الْمَوْصُوفِيَّةِ بِذَلِكَ الْوُجُوبِ فَقَدْ عَادَ التَّثْلِيثُ.
وَإِشْكَالٌ رَابِعٌ: وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ الْبَسِيطَةَ هَلْ يُمْكِنُ الْإِخْبَارُ عَنْهَا وَهَلْ يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْهَا أَمْ لَا.
وَالْأَوَّلُ مُحَالٌ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ إِنَّمَا يَكُونُ بِشَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ، فَالْمُخْبَرُ عَنْهُ غَيْرُ الْمُخْبَرِ بِهِ فَهُمَا أَمْرَانِ لَا وَاحِدٌ، وَإِنْ لَمْ يكن التعبير عنه فهو غير مَعْلُومٌ الْبَتَّةَ لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بِالْإِثْبَاتِ فَهُوَ مَغْفُولٌ عَنْهُ، فَهَذَا جُمْلَةُ مَا فِي هَذَا المقام من السؤال:
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَاتٌ مَوْصُوفَةٌ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَجْمُوعَ مُفْتَقِرٌ فِي تَحَقُّقِهِ إِلَى تَحَقُّقِ أَجْزَائِهِ إِلَّا أَنَّ الذَّاتَ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا وَاجِبَةٌ لِذَاتِهَا، ثُمَّ إِنَّهَا بَعْدَ وُجُوبِهَا بَعْدِيَّةٌ بِالرُّتْبَةِ مُسْتَلْزِمَةٌ لِتِلْكَ النُّعُوتِ والصفات فهذا مما لا امتناع فِيهِ عِنْدَ الْعَقْلِ.
وَأَمَّا الْإِشْكَالُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ الْوَحْدَةَ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الذَّاتِ فَإِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا وَاحِدَةٌ فَهُنَاكَ أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ لَا أَمْرٌ وَاحِدٌ، فَالْجَوَابُ أَنَّ الَّذِي ذَكَرْتُهُ حَقٌّ وَلَكِنْ فُرِّقَ بَيْنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ هُوَ وَبَيْنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ وَاحِدٌ، فَإِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ هُوَ مَعَ تَرْكِ الِالْتِفَاتِ إِلَى أَنَّهُ وَاحِدٌ فهناك تتحقق الوحدة وهاهنا حَالَةٌ عَجِيبَةٌ فَإِنَّ الْعَقْلَ مَا دَامَ يَلْتَفِتُ إِلَى الْوَحْدَةِ فَهُوَ بَعْدُ لَمْ يَصِلْ إِلَى عَالَمِ الْوَحْدَةِ، فَإِذَا تَرَكَ الْوَحْدَةَ فَقَدْ وَصَلَ إِلَى الْوَحْدَةِ فَاعْتَبِرْ هَذِهِ الْحَالَةَ بِذِهْنِكَ اللَّطِيفِ لَعَلَّكَ تَصِلُ إِلَى سِرِّهِ وَهَذَا أَيْضًا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ إِشْكَالِ الْوُجُودِ وَإِشْكَالِ الْوُجُوبِ.
أَمَّا الْإِشْكَالُ الرَّابِعُ: وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ؟ فَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ لِأَنَّكَ مَتَى عَبَّرْتَ عَنْهُ فَقَدْ أَخْبَرْتَ عَنْهُ بِأَمْرٍ آخَرَ، وَالْمُخْبَرُ عَنْهُ مُغَايِرٌ لِلْمُخْبَرِ بِهِ لَا مَحَالَةَ، فَلَيْسَ هُنَاكَ تَوْحِيدٌ، وَلَوْ أَخْبَرْتَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْإِخْبَارُ عَنْهُ، فَهُنَاكَ ذَاتٌ مَعَ سَلْبٍ خَاصٍّ، فَلَا يَكُونُ هُنَاكَ تَوْحِيدٌ فَأَمَّا إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ هُوَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخْبِرَ عَنْهُ لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بِالْإِثْبَاتِ، فَهُنَاكَ تَحَقَّقَ الْوُصُولُ إِلَى مَبَادِئِ عَالَمِ التَّوْحِيدِ، ثُمَّ الِالْتِفَاتُ الْمَذْكُورُ لَا يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ إِلَّا بِقَوْلِهِ هُوَ فَلِذَلِكَ عَظُمَ وَقْعُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ عِنْدَ الْخَائِضِينَ فِي بِحَارِ التَّوْحِيدِ، وَسَنَذْكُرُ شَمَّةً مِنْ حَقَائِقِهَا فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى، أَمَّا الْوَحْدَةُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي، وَهِيَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْوُجُودِ شَيْءٌ يُشَارِكُهُ فِي وُجُوبِ الْوُجُودِ، فكأن هَذِهِ الْوَحْدَةَ هِيَ الْوَحْدَةُ الْخَاصَّةُ بِذَاتِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَبَرَاهِينُ ذَلِكَ مَذْكُورَةٌ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا الأنبياء: 22 أم الْوَحْدَةُ بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ، فَلَيْسَتْ مِنْ خَوَاصِّ ذَاتِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِأَنَّهُ لَا شَكَّ فِي وُجُودِ مَوْجُودَاتٍ وَهَذِهِ الْمَوْجُودَاتُ إِمَّا مُفْرَدَاتٌ أَوْ مُرَكَّبَاتٌ، فَالْمُرَكَّبُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْمُفْرَدَاتِ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِثْبَاتِ الْمُفْرَدَاتِ في عالم الْمُمْكِنَاتِ، فَالْوَاحِدِيَّةُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ لَيْسَتْ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تَوَحَّدَ الْحَقُّ سُبْحَانَهُ بِهَا، أَمَّا الْوَاحِدِيَّةُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي فَالْحَقُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُتَوَحِّدٌ بِهَا وَمُتَفَرِّدٌ بِهَا، وَلَا يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ النَّعْتِ شَيْءٌ سِوَاهُ، فَهَذِهِ تَلْخِيصُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِحَسَبِ مَا