انْتِقَالُهَا مِنَ الْمَحَبَّةِ إِلَى الْبِغْضَةِ وَبِالْعَكْسِ تَغَيُّرًا لَهَا فِي صِفَاتِهَا فَتَكُونُ هِيَ مُفْتَقِرَةً فِي تِلْكَ التَّغَيُّرَاتِ إِلَى الصَّانِعِ الْمُسْتَوْلِي عَلَيْهَا بِالْقَهْرِ وَالتَّسْخِيرِ.
وَالثَّالِثَ عَشَرَ: أَنَّهَا أَجْسَامٌ وَكُلُّ جِسْمٍ مُرَكَّبٌ وَكُلُّ مُرَكَّبٍ مُفْتَقِرٌ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ غَيْرُهُ فَكُلُّ جِسْمٍ هُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى غَيْرِهِ مُمْكِنٌ وَكُلُّ مُمْكِنٍ مُفْتَقِرٌ إِلَى غَيْرِهِ مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ، وكل ممكن لذاته فله مؤثر وكل ماله مُؤَثِّرٌ فَافْتِقَارُهُ إِلَى مُؤْثِرِهِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَالَ بَقَائِهِ، أَوْ حَالَ حُدُوثِهِ أَوْ حَالَ عَدَمِهِ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي إِيجَادَ الْمَوْجُودِ وَهُوَ مُحَالٌ، فَبَقِيَ الْقِسْمَانِ الْآخَرَانِ وَهُمَا يَقْتَضِيَانِ الْحُدُوثَ الدَّالَّ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ.
وَالرَّابِعَ عَشَرَ: أَنَّ الْأَجْسَامَ مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْجِسْمِيَّةِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَقْسِيمُ الْجِسْمِ إِلَى الْفَلَكِيِّ وَالْعُنْصُرِيِّ وَالْكَثِيفِ وَاللَّطِيفِ، وَالْحَارِّ وَالْبَارِدِ، وَالرَّطْبِ وَالْيَابِسِ، وَمَوْرِدُ التَّقْسِيمِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ كُلِّ الْأَجْسَامِ. فَالْجِسْمِيَّةُ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ هَذِهِ الصِّفَاتِ، وَالْأُمُورُ الْمُتَسَاوِيَةُ فِي الْمَاهِيَّةِ يَجِبُ أن تكون متساوية في قالمية الصِّفَاتِ، فَإِذَنْ كُلُّ مَا صَحَّ عَلَى جِسْمٍ صَحَّ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِذَنِ اخْتِصَاصُ كُلِّ جِسْمٍ بِمَا اخْتَصَّ بِهِ مِنَ الْمِقْدَارِ، وَالْوَضْعِ، وَالشَّكْلِ، وَالطَّبْعِ، وَالصِّفَةِ، لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مِنَ الجائزات، وذلك يقضي بِالِافْتِقَارِ إِلَى الصَّانِعِ الْقَدِيمِ جَلَّ جَلَالُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ وَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ، فَهَذَا هُوَ الْإِشَارَةُ إلى معاقد الدلائل المستنبطة من أجسام السموات وَالْأَرْضِ، عَلَى إِثْبَاتِ الصَّانِعِ:
وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ لُقْمَانَ: 27
النَّوْعُ الثَّانِي: مِنَ الدَّلَائِلِ أَحْوَالُ الْأَرْضِ وَفِيهِ فَصْلَانِ:
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ أَحْوَالِ الْأَرْضِاعْلَمْ أَنَّ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْأَرْضِ أَسْبَابًا:
السَّبَبُ الْأَوَّلُ: اخْتِلَافُ أَحْوَالِهَا بِسَبَبِ حَرَكَةِ الْفَلَكِ، وَهِيَ أَقْسَامٌ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: الْمَوَاضِعُ الْعَدِيمَةُ الْعَرْضِ، وَهِيَ الَّتِي عَلَى خَطِّ الِاسْتِوَاءِ بِمُوَافَقَتِهَا قُطْبَيِ الْعَالَمِ، تُقَاطِعُ مُعَدَّلَ النَّهَارِ عَلَى زَوَايَا قَائِمَةٍ، وَتَقْطَعُ جَمِيعَ الْمَدَارَاتِ الْيَوْمِيَّةِ بِنِصْفَيْنِ، وَتَكُونُ حَرَكَةُ الْفَلَكِ دُولَابِيَّةً، وَلَمْ يَخْتَلِفْ هُنَاكَ لَيْلُ كَوْكَبٍ مَعَ نَهَارِهِ، وَلَمْ يُتَصَوَّرْ كَوْكَبٌ أَبَدِيُّ الظُّهُورِ، وَلَا أَبَدِيُّ الْخَفَاءِ، بَلْ يَكُونُ لِكُلِّ نُقْطَةٍ سِوَى الْقُطْبَيْنِ: طُلُوعٌ وَغُرُوبٌ، وَيَمُرُّ فَلَكُ الْبُرُوجُ بِسَمْتِ الرَّأْسِ فِي الدَّوْرَةِ مَرَّتَيْنِ، وَذَلِكَ عِنْدَ بلوغ قطبية دَائِرَةِ الْأُفُقِ، وَتَمُرُّ الشَّمْسُ بِسَمْتِ الرَّأْسِ مَرَّتَيْنِ فِي السَّنَةِ، وَذَلِكَ عِنْدَ بُلُوغِهَا نُقْطَتَيِ الِاعْتِدَالَيْنِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: الْمَوَاضِعُ الَّتِي لَهَا عَرْضٌ، فَإِنَّ قُطْبَ الشَّمَالِ يَرْتَفِعُ فِيهَا مِنَ الْأُفُقِ، وَقُطْبَ الْجَنُوبِ يَنْحَطُّ عَنْهُ وَيَقْطَعُ الْأُفُقَ مُعَدَّلَ النَّهَارِ فَقَطْ عَلَى نِصْفَيْنِ، فَأَمَّا سَائِرُ الْمَدَارَاتِ فَيَقْطَعُهَا بِقِسْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، الظَّاهِرُ مِنْهُمَا فِي الشَّمَالِيَّةِ أَعْظَمُ مِنَ الْخَافِي وَفِي الْجَنُوبِيَّةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَلِهَذَا يَكُونُ النَّهَارُ فِي الشَّمَالِيَّةِ أَطْوَلَ مِنَ اللَّيْلِ، وفي الجنوبية بالخلاف، وتصير الحركة هاهنا حَمَائِلِيَّةً، وَلَمْ يَتَّفِقْ لَيْلُ كَوْكَبٍ مَعَ نَهَارِهِ، إِلَّا مَا كَانَ فِي مُعَدَّلِ النَّهَارِ، وَتَصِيرُ الْكَوَاكِبُ الَّتِي بِالْقُرْبِ مِنْ قُطْبِ الشَّمَالِ أَبَدِيَّةَ الظُّهُورِ، وَالَّتِي بِالْقُرْبِ مِنْ قُطْبِ الْجَنُوبِ أَبَدِيَّةَ الخفاء،