بِكُمُ الْعُسْرَ
وَالثَّانِي: لَوْ صُبَّ الطَّعَامُ أَوِ الشَّرَابُ فِي حَلْقِهِ كَرْهًا أَوْ حَالَ نَوْمٍ لَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ، لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْإِمْسَاكُ وَالِامْتِنَاعُ وَالْإِكْرَاهُ لَا يُنَافِي ذَلِكَ.
الْقَيْدُ الثَّانِي: قَوْلُنَا عَنِ الْمُفْطِرَاتِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: دُخُولُ دَاخِلٍ، وَخُرُوجُ خَارِجٍ، وَالْجِمَاعُ، وَحَدُّ الدُّخُولِ كُلُّ عَيْنٍ وَصَلَ مِنَ الظَّاهِرِ إِلَى الْبَاطِنِ مِنْ مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ إِلَى الْبَاطِنِ إِمَّا الدِّمَاغِ أَوِ الْبَطْنِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْأَمْعَاءِ وَالْمَثَانَةِ، أَمَّا الدِّمَاغُ فَيَحْصُلُ الْفِطْرُ بِالسَّعُوطِ وَأَمَّا الْبَطْنُ فَيَحْصُلُ الْفِطْرُ بِالْحُقْنَةِ وَأَمَّا الْخُرُوجُ فَالْقَيْءُ بِالِاخْتِيَارِ وَالِاسْتِمْنَاءُ يُبْطِلَانِ الصَّوْمَ، وَأَمَّا الْجِمَاعُ فَالْإِيلَاجُ يُبْطِلُ الصَّوْمَ.
الْقَيْدُ الثَّالِثُ: قَوْلُنَا مَعَ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ صَائِمًا فَلَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا لِلصَّوْمِ لَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَعِنْدَ مَالِكٍ يَبْطُلُ.
الْقَيْدُ الرَّابِعُ: قَوْلُنَا مِنْ أَوَّلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ الْبَقَرَةِ: 187 وَكَلِمَةُ «حَتَّى» لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ، وَكَانَ الْأَعْمَشُ يَقُولُ: أَوَّلُ وَقْتِهِ إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَكَانَ يُبِيحُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَقَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَيَحْتَجُّ بِأَنَّ انْتِهَاءَ الْيَوْمِ مِنْ وَقْتِ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَكَذَا ابْتِدَاؤُهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ عِنْدِ طُلُوعِهَا، وَهَذَا بَاطِلٌ بِالنَّصِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَحُكِيَ عَنِ الْأَعْمَشِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ يَعُودُهُ، فَقَالَ لَهُ الْأَعْمَشُ: إِنَّكَ لَثَقِيلٌ عَلَى قَلْبِي وَأَنْتَ فِي بَيْتِكَ، فَكَيْفَ إِذَا زُرْتَنِي! فَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو حَنِيفَةَ فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ قِيلَ لَهُ: لِمَ سَكَتَّ عَنْهُ؟ فَقَالَ: وَمَاذَا أَقُولُ فِي رَجُلٍ مَا صَامَ وَمَا صَلَّى فِي دَهْرِهِ عُنِيَ بِهِ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ بَعْدَ الْفَجْرِ الثَّانِي قَبْلَ الشَّمْسِ فَلَا صَوْمَ لَهُ وَكَانَ لَا يَغْتَسِلُ مِنَ الْإِنْزَالِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ.
الْقَيْدُ الْخَامِسُ: قَوْلُنَا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَدَلِيلُهُ
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِذَا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ»
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ وَقْتُ الْإِفْطَارِ عِنْدَ غُرُوبِ ضَوْءِ/ الشَّمْسِ، قَاسَ هَذَا الطَّرَفَ عَلَى الطَّرَفِ الْأَوَّلِ مِنَ النَّهَارِ.
الْقَيْدُ السَّادِسُ: قَوْلُنَا مَعَ النِّيَّةِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: لَا حَاجَةَ لِصَوْمِ رَمَضَانَ إِلَى النِّيَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالصَّوْمِ فِي قَوْلِهِ: فَلْيَصُمْهُ وَالصَّوْمُ هُوَ الْإِمْسَاكُ وَقَدْ وُجِدَ فَيَخْرُجُ عَنِ الْعُهْدَةِ لَكُنَّا نَقُولُ: لَا بُدَّ مِنَ النِّيَّةِ لِأَنَّ الصَّوْمَ عَمَلٌ بِدَلِيلِ
قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الصَّوْمُ»
وَالْعَمَلُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ النِّيَّةِ
لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْآيَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُقِيمَ الصَّحِيحَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَصُومَ وَبَيْنَ أَنْ يُفْطِرَ مَعَ الْفِدْيَةِ قَالُوا: هَذِهِ الْآيَةُ نَاسِخَةٌ لَهَا وأبو مسلم الأصفهاني والأصم ينكرون ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ بِتَقْدِيرِ صِحَّةِ الْقَوْلِ بِهَذَا النَّسْخِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نَسْخَ الْأَخَفِّ بِالْأَثْقَلِ جَائِزٌ، لِأَنَّ إِيجَابَ الصَّوْمِ عَلَى التَّعْيِينِ أَثْقَلُ مِنْ إِيجَابِهِ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفِدْيَةِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تعالى: وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ فَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ السَّبَبِ فِي التَّكْرِيرِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ فَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الكلام إنما يحسن ذكره هاهنا