فحسن الإضمار لمّا عرف. ومثله فى سورة الواقعة: «يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ. بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ» «1» ثم قال: «وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ. وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ. وَحُورٌ عِينٌ» فخفض بعض القراء، ورفع بعضهم الحور العين.
«2» قال الذين رفعوا: الحور العين لا يطاف بهن فرفعوا على معنى قولهم: وعندهم حُورٌ عينٌ، أو مع ذلك حور عينٌ فقيل «3» : الفاكهة واللحم لا يطاف بهما إنما يطاف بالخمر وحدها- والله أعلم- ثم أُتبع آخر الكلام أوله. وهو كثير في كلام العرب وأشعارهم، وأنشدني بعض بني أسد يصف فرسه:
عَلَفْتُهَا تِبْنًا وماءً باردًا
... حتَّى شَتَتْ هَمَّالةً عَيْنَاهَا «4»
والكتاب أعرب وأقوى في الحجة من الشعر. وأمّا ما لا يحسن فيه الضمير «5» لقلة اجتماعه، فقولك: قد أعتقت مباركا أمس وآخر اليوم يا هذا وأنت تريد: واشتريت آخر اليوم لأن هذا مختلف لا يعرف أنك أردت ابتعت. ولا يجوز أن تقول:
ضربت فلانا وفلانا وأنت تريد بالآخر: وقتلت فلانا لأنه ليس هاهنا دليل.
ففي هذين الوجهين ما تعرف به ما ورد عليك إن شاء الله.
وقوله: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ
... (16)
ربما قال القائل: كيف تربح التجارة وإنما يربح الرجل التاجر؟ وذلك من كلام العرب: ربح بَيْعُك وخسر بيعُك، فحسن «6» القول بذلك لأن الربح والخسران إنما يكونان في التجارة، فعلم معناه. ومثله من كلام العرب: هذا ليل نائم. ومثله من كتاب الله: «فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ» «7» وإنما العزيمة للرجال، ولا يجوز الضمير «8»