وقوله (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ) قرأها عَاصِم بن أبي النجود والأعمش (أُفِّ) خفضًا بغير نون. وقرأ العوامّ (أفّ) فالذين خفضوا ونوَّنوا ذهبوا إلى أنها صوت لا يُعرف معناهُ إلا بالنطق بِهِ فخفضوه كما تُخفض الأصوات. من ذَلِكَ قول العرب: سمعت طاقٍ طاقٍ لصوت الضرب، ويقولون:
سمعت تغٍ تغٍ لصوت الضحك. والذين لَمْ ينونوا وخفضوا قالوا: أفّ عَلَى ثلاثة أحرف، وأكثر الأصوات إنما يكون عَلَى حرفين مثل صَهْ ومثل يغ ومَهْ، فذلك الَّذِي يُخفض ويُنَوَّن فِيهِ لأنه متحرك الأول. ولسنا بمضطرين إلى حركة الثاني من الأدوات وأشباهِها فيُخْفَض «1» فخفض بالنون:
وشبهت أفَّ بقولك مُدَّ ورُدَّ إذ كانت عَلَى ثلاثة أحرف. ويدل عَلَى ذَلِكَ أن بعض العرب قد رفعها فيقول أفُّ لك. ومثله قول الراجز:
سألتُها الوصلَ فقالت مِضِّ
... وحَرَّكت لي رأسها بالنَغْض «2»
كقول «3» القائل (لا) يقولها بأضراسه. ويُقال: ما علّمك أهلك إلا (مضِّ «4» ومِضُّ) وبعضهم:
إلا مِضّا يوقع عليها الفعل. وقد قَالَ بعضُ العرب: لا تقولن له أُفا ولا تُفّا يجعل كالاسم فيصيبه الخفض والرفع والنصب ثبت فِي ب والنصب «5» بلا نون يَجوز كما قالوا رُدّ. والعربُ تَقُولُ: جعل يتأفف من ريح وجدها، معناهُ يقول: أفِّ أفِّ. وقد قَالَ الشاعر «6» فيما نُوّن:
وقفنا فقلنا إِيهِ عَن أمّ سالِمٍ
... وَمَا بال تكليم الديار البلاقع