ولا يستعمل، وأكثر ما فيه أن يسألني كلب من كلابهم، فلا أملك رده، وإن رددته غضبوا وجمعوا وتكلموا .. " (١).
ولهذا الاضطراب فقد عاصر أبو الفضل القشيري تسعة من خلفاء بني العباس، هم: المعتضد بالله، والمكتفي بالله، والمقتدر بالله، والقاهر بالله، والراضي بالله، والمتقي لله، والمستكفي بالله، والمطيع لله، والطائع لله، وبعض أولئك لم تدم خلافتهم إلا بضعة أشهر.
ومصر ـ وهي المنزل الثاني للقشيري ـ لم تكن من هذا ببعيد، فقد كانت تخضع لسلطان بني العباس، يجري عليها ما جرى على حاضرة الخلافة العباسية، وكانت تعاني كسائر حواضر الإسلام من اختيار الأمراء الذين كانوا يعدون إمارتهم فرصة لنهب البلاد والعباد.
وظلت الحال على هذا، حتى تولى ابن طولون عام ٢٥٤ هـ، فتمكنت له الحال، ورسخت قدمه فيها، وتوطدت إمارته، فاستطاع إقامة إمارة بلغت من القوة أن ضمت إليها الشام، وجزءا من العراق، بل وأرهبت الروم المتربصين بالبلاد، فمنعتهم من كثير من أطماعهم، وآيستهم من كثير من آمالهم (٢).
وهذه الحال لم تدم طويلا، حيث أسقط الخليفة العباسي إمارة بني طولون، فعادت الحال كما كانت، حتى كان عام ٣٢٣ هـ، حيث قامت إمارة الإخشيديين على مصر، وبسطت نفوذها على ما جاورها (٣).
وهذا النوع من الاستقرار وإن لم يدم طويلا، فقد جعل مصر تشهد نوعا من الاستقرار السياسي، الذي عادت آثاره طيبة على البلاد، فكانت مصر حاضرة علمية يردها العلماء الأفذاذ للاستقرار فيها، كما فعل القشيري ـ رحمه الله ـ حيث استوطنها في آخر حياته.
(١) كتاب الأوراق ص ٢٣٣، لأبي بكر الصولي.
(٢) ينظر: النجوم الزاهرة (٣/ ١٥).
(٣) ينظر: النجوم الزاهرة (٣/ ٢٥١) وخطط المقريزي (١/ ٣٢٩).