ومن سورة الفتح
قال الله عز وعلا: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} (١).
هذه الآيات نزلت في إسقاط الجهاد عن المذكورين في الآية دون سائر الأعمال، وأختها في القرآن: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (٢) فاستثنى منها {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} ونزلت هذه الآية بسبب ابن أم مكتوم (٣) قال زيد بن ثابت: فإني لأكتب حتى نزل: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} فأمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ألحقه (٤).
قال الله جل ثناؤه: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} (٥)
قال يحي بن سعيد الأنصاري، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ? أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله، فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله? وأنزل الله عز وجل في كتابه فذكر قوماً استكبروا فقال سبحانه: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (٦) وقال عز وجل: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} (٧) وهي: لا إله إلا الله محمد رسول الله، استكبر عنها المشركون يوم الحديبية، يوم كاتبهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قضية المدة (٨).
وقال عَباية (٩) عن علي رحمه الله: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} قال: لا إله إلا الله والله أكبر (١٠).
وقال ابن عمر وجماعة من المفسرين: كلمة التقوى كلمة الإخلاص، شهادة أن لا إله إلا الله التي دعا إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمه (١١).
(١) سورة الفتح (١٧).
(٢) سورة النساء (٩٥).
(٣) هو: عمرو، على قول الأكثر، وقيل: عبد الله، ابن قيس بن زائدة بن عامر القرشي، أسلم قديما، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستخلفه على المدينة في عامة غزواته، قتل يوم القادسية. ينظر: طبقات ابن سعد (٤/ ٤٢٢) والإصابة (٤/ ٤٩٤).
(٤) أخرجه البخاري ٩٥١ كتاب التفسير، سورة النساء، باب لا يستوي القاعدون ومسلم ٣/ ١١٩٩ كتاب الإمارة بنحوه.
(٥) سورة الفتح (٢٦).
(٦) سورة الصافات (٣٥).
(٧) سورة الفتح (٢٦).
(٨) أخرجه بطوله الطبري في تفسيره (١١/ ٣٦٤) وابن حبان ١/ ٤٥١ كتاب الإيمان، ذكر البيان بأن المرء إنما يعصم والطبراني في الأوسط (٢/ ٦٧) عن ابن شهاب، به.
وهو عند البخاري ٥٩٨ كتاب الجهاد والسير، باب دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الإسلام ومسلم ١/ ٥٧ كتاب الإيمان مختصرا.
(٩) هو: عباية بن ربعي الأسدي، وقيل عباية بن رداد التميمي، قال الذهبي: من الغلاة، يريد في التشيع. ينظر: المغني في الضعفاء (١/ ٣٣٠) والتاريخ الكبير (٧/ ٧٢).
(١٠) أخرجه الطبري في تفسيره (١١/ ٣٦٥) والحاكم ٢/ ٥٠٠ كتاب التفسير، سورة الفتح به، وقال على شرط الشيخين.
(١١) أخرجه عبد الرزاق ٥/ ٤٩٧ كتاب المغازي، باب الشراب في الطواف، وأخرجه الطبري في تفسيره (١١/ ٣٦٥) عنه، وعن عدد من السلف.