ومن سورة الواقعة
قال الله تبارك وتعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} (١).
قال أبو العالية: الكتاب المكنون ليس أنتم، أنتم أصحاب الذنوب (٢).
وقال ابن جبير: الملائكة (٣)، وقاله مجاهد والضحاك (٤).
وقال مالك بن أنس - رضي الله عنه - في قوله سبحانه: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} إنها بمنزلة التي في عبس {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرَامٍ بَرَرَةٍ} (٥).
وقال سلمان الفارسي: لا يمسه إلا طاهر، وسئل عن آية فقال: سلوني فلست أمسه إنما أقرأه، وكان قد أحدث ولم يتوضأ (٦).
وقد جاء في مسّ المصحف اختلاف؛ فقال بعضهم: لا يمسه من الناس إلا طاهر تطهر الوضوء والصلاة.
وقال بعضهم: يمسه، منهم ابن عباس والشعبي (٧).
وأما من كره أن يمس (٨) المصحف إلا طاهر، ففي كتاب عمرو بن حزم (٩): ? لا يمس القرآن إلا طاهر? وهو الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم روي ذلك من وجوه كثيرة، ورواه في غير الكتاب الزهري، عن أبي بكر (١٠) بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده: ? أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى أهل اليمن كتابا، ذكر فيه الفرائض والسنن والديات، وفي الكتاب: ولا يمس القرآن إلا طاهر? (١١).
وروى مالك عن إسماعيل (١٢) بن محمد بن سعد عن مصعب (١٣) بن سعد قال: كنت أمسك المصحف على سعد بن أبي وقاص فاحتككت، فقال: لعلك مسست ذكرك؟ فقلت: نعم، فقال: قم فتوضأ، فقمت وتوضأت ثم رجعت، وقال بعضهم فيه: قم فاغسل يدك (١٤).
(١) سورة الواقعة (٧٩).
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة ٧/ ٢٠٧ كتاب الزهد، كلام أبي العالية والطبري في تفسيره (١١/ ٦٦٠) بنحوه.
(٣) أخرجه الطبري في تفسيره (١١/ ٦٥٩) به.
(٤) أخرجه عنهما الطبري في تفسيره (١١/ ٦٥٩).
(٥) ينظر: الموطأ (١/ ١٧٧).
(٦) أخرجه ابن أبي شيبة كتاب الطهارات، الرجل يقرأ القرآن وهو غير طاهر والحاكم ٢/ ٥١٩ كتاب التفسير، سورة الواقعة والبيهقي ١/ ٨٨ كتاب الطهارة، باب نهي المحدث عن مس المصحف بنحوه.
(٧) ينظر في مسألة مس المصحف ومذاهب السلف فيها: مصنف عبد الرزاق ١/ ٣٤٣ كتاب الحيض، باب مس المصحف وابن أبي شيبة ٢/ ١٤٠ كتاب الصلاة، في الرجل على غير وضوء والأوسط (٢/ ١٠١) وأحكام القرآن للجصاص (٥/ ٣٠٠) والتمهيد (١٧/ ٣٩٣) وأحكام القرآن لابن العربي (٤/ ١٧٦).
(٨) لوحة رقم ٢/ ٢٥٩.
(٩) هو: عمرو بن حزم بن زيد بن الحارث بن الخزرج الأنصاري، أبو الضحاك، شهد الخندق، واستعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على نجران، توفي سنة ٥٣ هـ ينظر: طبقات ابن سعد (٣/ ٤٨٦) والإصابة (٤/ ٥١٢).
(١٠) هو: أبو بكر بن محمد بن حزم الأنصاري، قيل اسمه وكنيته واحدة، ولاه عمر بن عبد العزيز قضاء المدينة، توفي سنة ١٢٠ هـ ينظر: طبقات ابن سعد (٥/ ٢١٤) وتهذيب التهذيب (٦/ ٣٠٠).
(١١) أخرجه ابن حبان ١٤/ ٥١٠ كتاب، ذكر كتبة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - والحاكم ١/ ٥٢٢ كتاب الزكاة والبيهقي ١/ ٣٠٩ كتاب الطهارة، باب الحائض لا تمس المصحف عن الزهري، به.
(١٢) هو: إسماعيل بن محمد بن سعد بن مصعب بن سعد بن أبي وقاص الزهري، أبو محمد المدني، قال ابن سعد: له أحاديث وهو ثقة، توفي سنة ١٣٤ هـ طبقات ابن سعد (٥/ ٢٤٢) وتهذيب التهذيب (١/ ٢٦٧).
(١٣) هو: مصعب بن سعد بن أبي وقاص الزهري، أبو زرارة المدني، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، توفي سنة ١٠٣ هـ. طبقات ابن سعد (٥/ ٨٧) وتهذيب التهذيب (٥/ ٤٢٨).
(١٤) أخرجه في الموطأ ١/ ٦٤ كتاب الطهارة، باب الوضوء من مس الفرج والبيهقي ١/ ٨٨ كتاب الطهارة، باب نهي المحدث عن مس المصحف به.