وأشهر من روى عنه، وأخذ منه، من الصحابة هو حبر الأمة وترجمان القرآن: عبد الله بن عباس، ومن التابعين: مجاهد بن جبر رضي الله عنهم أجمعين، فقد نقل عنهما فأكثر جدا، إلا أن نقله عن مجاهد كان الأكثر مطلقا.
" مجالات وجوانب النقل عن السلف.
تعددت جوانب نقل المؤلف عن السلف، وتعدد مناحيه، وتنوعت أسبابه، ويمكن إجمالها في خمسة أمور:
١. في بيان غريب ألفاظ القرآن.
أكثر الجوانب التي اعتمد المؤلف فيها على الآثار، ما تعلق ببيان غريب ألفاظ القرآن، فلا تكاد تخلو كلمة غريبة، إلا وبينها بما ينقله عن السلف من آثار، من ذلك معنى: (الزور) الوارد في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} (١) قال المؤلف" قال ابن الحنفية: الزور: الغناء. وقال محمد بن علي: شهادة الزور. وقال عكرمة: لعب كان في الجاهلية" (٢).
٢. في توضيح المعنى العام للآية.
وهذا الجانب من أكثر الجوانب ورودا، ومن أمثلته: ما أورده عند قوله تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} (٣) حيث قال: " قال أنس بن مالك: كانوا يصلون ما بين المغرب والعشاء. وقال مالك بن دينار: سألت سالم بن عبد الله عن النوم قبل العتمة، فانتهرني، وقال: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} ما بين صلاة المغرب إلى العشاء ما ينامون. وقال موسى بن يسار في قوله عز وجل {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} (٤) قال: ما بين المغرب إلى العشاء، كانت الأنصار يصلون المغرب فينصرفون إلى قباء، ثم أقاموا حتى يصلوا العشاء فنزلت فيهم الآية: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (٥) يغدون من قباء فيصلون في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال مُطَرِّف بن الشخير ومجاهد: كانوا لا ينامون كل الليل. وقال الحسن: مدوا الصلاة إلى السحر، ثم جلسوا في الدعاء والاستكانة والاستغفار. وقال إبراهيم: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} يعني ينامون قليلا منه. وقال أبو العالية: كانوا يصيبون حظا من الليل. وقال الضحاك: قليلا من الناس. وقال مُطَرِّف: قَلَّ ليلة تأتي عليهم لا يصلون فيها" (٦).
(١) سورة الفرقان (٧٢).
(٢) ينظر من هذه الرسالة: سورة الفرقان الآية رقم (٧٢)
ومن الأمثلة كذلك: سورة ق الآية رقم (٣٢) والنجم الآية رقم (٣٢).
(٣) سورة الذاريات (١٧).
(٤) سورة السجدة (١٦).
(٥) سورة الذاريات (١٨).
(٦) ينظر من هذه الرسالة: سورة الذاريات الآية رقم (١٧)
من الأمثلة كذلك: الشعراء الآية رقم (٨٩) والنمل الآية رقم (٨٩) والتحريم الآية رقم (٦) والشرح الآية رقم (٧) والماعون الآية رقم (٢).