انتقى منه الأحكام بصيرة؛ القاضي أبو إسحاق، فاستخرج دُرَرَها، واستحلب دَرَّها، وإن كان قد غير أسانيدها، لقد ربط معاقدها، ولم يأت بعدهما من يلحق بهما" (١).
ولعقد مقارنة بين القشيري وابن العربي في منهجهما في الاختيار والترجيح، أذكر عددا من النقاط توضح ذلك:
١. تميز القشيري وابن العربي بشخصية علمية مستقلة، وتكوين علمي قوي، ظهرت آثاره على نحوٍ بَيّن في مناقشاتهما العلمية، وكثرة اختياراتهما.
ومما يُحْمد لهما في هذه الاختيارات أمران:
أولا: كثرتها وتعددها.
ثانيا: تنوع مجالاتها، حيث لم تقتصر على مسائل الأحكام، والحلال والحرام، بل كان فيها نظرات تفسيرية عامة.
ـ وفي الحق ـ فهذه الاختيارات من الكثرة والتنوع بحيث تحتاج إلى دراسة وعناية على نحو مستقل.
٢. تميز ابن العربي بأنه كان أكثر استقلالا في الاختيار والترجيح، ظهر ذلك في مسائل عديدة رجح فيها خلاف المذهب، هذا من جهة، ومن جهة أخرى: فإنه ـ أيضا ـ اعتنى بالترجيح بين روايات المذهب وتقديم بعضها على بعض.
٣. ولقد كانت تلك الاختيارات في غالب الأمر مقرونة بدليلها وتعليلها، سواء من الكتاب، والسنة، وأقوال السلف، والنظر والقياس، على أنهما على نحو قليل ربما ذكرا الراجح والصحيح دون تدليل أو تعليل.
٤. ومما يلفت النظر حقا: أنني بعد أن قمت بمقارنة اختيارات ابن العربي مع المواضع التي كان للقشيري فيها اختيار وترجيح ـ كما هو مثبت في ثنايا هذه الرسالة ـ ظهر
(١) أحكام القرآن (١/ ٣).