وَفِي كُلِّ أَمْوَالِ الْعِرَاقِ إتَاوَةٌ
... وَفِي كُلِّ مَا بَاعَ امْرُؤٌ مَكْسُ دِرْهَمِ
فَاَلَّذِي نَفَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعُشْرِ هُوَ الْمَكْسُ الَّذِي كَانَ يَأْخُذُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَمَّا الزَّكَاةُ فَلَيْسَتْ بِمَكْسٍ وَإِنَّمَا هُوَ حَقٌّ وَجَبَ فِي مَالِهِ يَأْخُذهُ الْإِمَامُ فَيَضَعُهُ فِي أَهْلِهِ كَمَا يَأْخُذُ صَدَقَاتِ الْمَوَاشِي وَعُشُورَ الْأَرْضِينَ وَالْخَرَاجَ وَأَيْضًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي نَفَى أَخْذَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَا يَكُونُ مَأْخُوذًا عَلَى وَجْهِ الصَّغَارِ وَالْجِزْيَةِ وَلِذَلِكَ
قَالَ إنَّمَا الْعُشُورُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ
يَعْنِي مَا يُؤْخَذُ عَلَى وَجْهِ الْجِزْيَةِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْتَجُّ لِلْفَرْقِ بين صدقات المواشي والزروع وبين زكاة الْأَمْوَالِ أَنَّهُ قَالَ فِي الزَّكَاةِ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَلَمْ يَشْرُطْ فِيهَا أَخْذَ الْإِمَامِ لَهَا وَقَالَ فِي الصَّدَقَاتِ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وقال إنما الصدقات للفقراء والمساكين- إلى قوله- والعاملين عليها ونصب العامل يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لَهُ إسْقَاطُ حَقِّ الْإِمَامِ فِي أَخْذِهَا
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْت أَنْ آخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِكُمْ وَأَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِكُمْ
فَإِنَّمَا شَرَطَ أَخْذَهُ فِي الصَّدَقَاتِ وَلَمْ يَذْكُرْ مِثْلَهُ فِي الزَّكَوَاتِ وَمَنْ يَقُولُ هَذَا يَذْهَبُ إلَى أَنَّ الزَّكَاةَ وَإِنْ كَانَتْ صَدَقَةً فَإِنَّ اسْمَ الزَّكَاةِ أَخَصُّ بِهَا وَالصَّدَقَةُ اسْمٌ يَخْتَصُّ بِالْمَوَاشِي وَنَحْوِهَا فَلَمَّا خَصَّ الزَّكَاةَ بِالْأَمْرِ بِالْإِيتَاءِ دُونَ أَخْذِ الْإِمَامِ وَأَمَرَ فِي الصَّدَقَةِ بِأَنْ يَأْخُذَهَا الْإِمَامُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَدَاءُ الزَّكَوَاتِ مَوْكُولًا إلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ إلَّا مَا يَمُرُّ بِهِ عَلَى الْعَاشِرِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا بِاتِّفَاقِ السَّلَفِ وَيَكُونُ أَخْذُ الصَّدَقَاتِ إلَى الْأَئِمَّةِ قَوْله تَعَالَى وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صلاتك سكن لهم
رَوَى شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةٍ عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَتَاهُ رَجُلٌ بِصَدَقَةِ مَالِهِ صَلَّى عَلَيْهِ قَالَ فَأَتَيْته بِصَدَقَةِ مَالِ أَبِي فَقَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أوفى
وروى ثابت ابن قَيْسٍ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِيكُمْ رَكْبٌ مُبْغَضُونَ فَإِنْ جَاءُوكُمْ فَرَحِّبُوا بِهِمْ وَخَلُّوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَبْغُونَ فَإِنْ عَدَلُوا فَلِأَنْفُسِهِمْ وإن ظلموا فعليهم وارضوهم فإن تمام زكاتكم رضاهم وليدعوا لكم
وروى سلمة ابن بَشِيرٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْبَخْتَرِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَعْطَيْتُمْ الزَّكَاةَ فَلَا تَنْسَوْا ثَوَابَهَا قَالُوا وَمَا ثَوَابُهَا قَالَ يَقُولُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مَغْنَمًا وَلَا تَجْعَلْهَا مَغْرَمًا
وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بقوله تعالى وصل عليهم هو الدعاء وقوله سكن لهم يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِمَّا تَسْكُنُ قُلُوبُهُمْ إلَيْهِ وَتَطِيبُ بِهِ نُفُوسُهُمْ فَيُسَارِعُونَ إلَى أَدَاءِ الصَّدَقَاتِ الْوَاجِبَةِ رَغْبَةً فِي ثَوَابِ اللَّهِ وَفِيمَا يَنَالُونَهُ مِنْ بَرَكَةِ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم لهم