يد أَو مد رجله في وقت قعوده بين ظهراني قومه , ثم قيل له: ما آيتك؟ فقال آيتي أَن أحرِّك يدي أَو أَمد رجلي , ولا يمكن أَحدًا منكم أن يفعل مثل فعلي , والقوم أصحاء الأَبدان لا آفة بشيءٍ من جوارحهم , فحرك يده أَو مد رجله , فراموا أَن يفعلوا مثل فعله فلم يقدروا عليه , كان ذلك آية دالة على صدقه. وليس ينظر في المعجزة إلى عظم حجم ما ياتى به النبي ولا إلى فخامة منظره , وإنما تعتبر صحتها بأَن تكون أمرًا خارجًا عن مجاري العادات ناقضًا لها , فمهما كانت بهذا الوصف كانت آية دالة على صدق من جاءَ بها , وهذا أيضًا وجه قريب , إلا أن دلالة الآية تشهد بخلافه وهي قوله سبحانه: {قُل لَئِن اجتمعتِ الإِنْسُ والجنُّ عَلَى أَنْ ياتُوا بِمِثْلِ هذا القُرآنِ لا ياتُون بمثلِهِ ولوْ كانَ بعضُهَمْ لبعْضٍ ظَهِيرًا} , فأشار في ذلك إلى أَمر طريقه التكلف والاجتهاد , وسبيله التأَهب والاحتشاد. والمعنى في الصرفة التي وصفوها لا يلائم هذه الصفة , فدل على أن المراد غيرها , والله أعلم.
وزعمت طائفة أَن إعجازه إنما هو فيما يتضمنه من الإخبار عن الكوائن في مستقبل الزمان نحو قوله سبحانه: {الم. غُلِبَتِ الرومُ في أَدنَى الأَرْض , وهُمْ من بعْدِ غَلَبِهمْ سَيَغْلِبُون , في بِضْعِ سنين} , وكقوله سبحانه: {قُل للمخَلَّفين من الأَعرابِ ستُدعَوْنَ إلى قوم أُولي باس شديدٍ , ونحوهما من الأَخبار التي صدقت أقوالها مواقع أَكوانها. قلت: ولا يشك في أَن هذا وما أَشبهه من أَخباره نوع من أَنواع إعجازه , ولكنه ليس بالأَمر العام الموجود في كل سورة من سور القرآن , وقد جعل سبحانه في صفة كل