إذ ليس في العادة مثل للقرآن يجوز أن (١) يعلم قدرة أحد من البلغاء عليه.
فإذا لم يكن لذلك مثل في العادة - وعرف هذا الناظر جميع أساليب الكلام، وأنواع الخطاب، ووجد القرآن مبايناً لها - علم خروجه عن العادة، وجرى مجرى ما يعلم أن إخراج اليد البيضاء من الجيب خارج عن العادات، فهو لا يجوزه من نفسه، وكذلك لا يجوز وقوعه من غيره، إلا على وجه نقض العادة، بل يرى وقوعه / موقع المعجزة.
وهذا وإن كان يفارق فلق البحر، وإخراج اليد البيضاء ونحو ذلك من وجه، فهو (٢) أنه يستوي الناس في معرفة عجزهم عنه، بكونه (٣) ناقضاً للعادة، من غير تأمل شديد، ولا نظر بعيد.
فإن النظر في معرفة إعجاز القرآن يحتاج إلى تأمل، ويفتقر إلى مراعاة مقدمات، والكشف عن أمور نحن ذاكروها بعد هذا الموضع.
فكل واحد منهما (٤) يؤول إلى مثل حكم صاحبه، في الجمع الذى قدمناه..ومما يبين ما قلناه -: من أن البليغ المتناهي في وجوه الفصاحة يعرف إعجاز القرآن، وتكون معرفته حجة عليه، إذا تحدى إليه وعجز عن مثله، وإن لم ينتظر وقوع التحدي في غيره، وما لذى يصنع ذلك بالغير.
- فهو ما روي في الحديث أن جبير بن مطعم ورد على النبي صلى الله عليه وسلم في معنى حليف له، أراد أن يفاديه، فدخل والنبي صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة (وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ) في صلاة الفجر، قال: فلما انتهى إلى قوله: (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ، مَّا لَهُ مِنْ دَافِعٍ) ، قال: خشيت أن يدركني العذاب.
وفي حديث آخر، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع سورة (طه) فأسلم (٦) .
وقد رُوي أن قوله عز وجل في أول (حم) السجدة إلى قوله (فأعرض أكثر هم فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ) (٧) نزلت في شيبة وعتبة ابني ربيعة، وأبي سفيان بن حرب، وأبي جهل.
وذكر أنهم بعثوا هم وغيرهم من وجوه قريش، بعتبة بن ربيعة
(١) س: " للقرآن يجوز أو ".
(٢) س: " وهو أنه ".
(٣) س: " فكونه ".
(٤) س: " منها ".
(٥) راجع البخاري ٧ / ٢٤٩ (من الفتح) والاصابة ١ / ٢٣٥ - ٢٣٦.
(٦) راجع الاصابة ٤ / ٢٨٠.
(٧) سورة فصلت: ٤.
(*)