ومنهم من يعرف بالبديهة وحدة الخاطر، ونفاذ الطبع وسرعة / النظم، يرتجل القول ارتجالاً، ويطبعه (١) عفواً صفواً، فلا يقعد به عن قوم قد تعبوا وكدوا أنفسهم، وجاهدوا خواطرهم.
وكذلك لا يمكن أن (٢) يخفى عليهم الكلام العلوى، واللفظ الملوكى، كما لا يخفى عليهم الكلام العامي، واللفظ السوقى، ثم تراهم ينزلون الكلام تنزيلا، ويعطفونه - كيف تصرف - حقوقه، ويعرفون مراتبه فلا يخفى عليهم ما يختص به كل فاضل تقدم في وجه من وجوه النظم، من الوجه الذي لا يشاركه فيه غيره، ولا يساهمه سواه.
ألا تراهم وصفوا زهيراً بأنه أمدحهم وأشدهم أسر شعر (٣) ، قاله أبو عبيدة (٤) ؟ وروى أن الفرزدق انتحل بيتاً من شعر جرير، وقال: هذا يشبه شعري.
فكان هؤلاء لا يخفى عليهم ما قد نسبناه إليهم من المعرفة بهذا الشأن، وهذا كما يعلم البزاز أن (٥) هذا الديباج عمل بتستر (٦) ، وهذا / لم يعمل بتستر، وأن هذا من صنعة فلان دون فلان، ومن نسج فلان دون فلان، حتى لا يخفى عليه، وإن كان قد يخفى على غيره.
ثم إنهم يعلمون أيضاً من له سمت بنفسه، ورفت برأسه، ومن يقتدي في الألفاظ أو في المعاني أو فيهما بغيره، ويجعل سواه قدوة له، ومن يلم في الأحوال بمذهب غيره، ويطور (٧) في الاحيان بجنبات كلامه (٨) .
وهذه أمور ممهدة عند العلماء، وأسباب معروفة عند الأدباء، وكما يقولون: إن " البحتري " يغير على " أبي تمام " إغارة، ويأخذ منه صريحاً وإشارة،
(١) م " ويطيعه " (٢) الزيادة من م (٣) س " أثر " (٤) الشعر والشعراء ١ / ٩٣
(٥) س، ك " البزازون " (٦) مدينة من كور الاهواز، فتحها أبو موسى الاشعري في عهد عمر، وكانت بها مصانع للثياب والعمائم، معجم البلدان ٢ / ٣٧٧ وابن خلكان ٢ / ١٥٠ (٧) س، ك " ويأتى " (٨) الزيادة من ا، م ومكانها بياض في ك (*)