فالبيت الأول مخالف لما عليه مذهبهم، في طلب الإسعاد (١) بالدموع، والإسعاف بالبكاء، ومخالف لأول كلامه، لأنه يفيد مخاطبة العذل، وهذا يفيد مخاطبة الرفيق.
وقد بينت لك أن القوم يسلكون حفظ الألفاظ وتصنيعها، دون ضبط المعاني وترتيبها، ولذلك (٢) قال الله عز وجل: (وَالْشُّعَرَاءَ يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل وَادٍ يَهِيمُونَ /.
وَأَنَّهُمْ يَقُولُون مَا لاَ يَفْعَلُونَ) (٣) فأخبر سبحانه أنهم يتبعون القول حيث توجه بهم، واللفظ كيف أطاعهم، والمعاني كيف تتبع ألفاظهم.
وذلك خلاف ما وضع عليه الإبانة عن المقاصد بالخطاب، ولذلك كان طلب الفصاحة فيه أسهل وأمكن، فصار بهذا أبلغ خطابهم.
ثم لو أن هذا البيت وما يتلوه من البيتين سلم من نحو هذا، لم يكن في ذلك شئ يفوت شعر شاعر، أو كلام متكلم.
وأما قوله: " والشرى أرى "، فإنه وإن كان قد تصنع له من جهة الطباق، ومن جهة التجنيس المقارب، فهي كلمة ثقيلة على اللسان، وهم يذمون نحو هذا، كما عابوا على أبي تمام قوله: كريمٌ متى أمدحْهُ أمدحه والورى * معى، ومتى مالمته لمته وحدي (٤) ذكر لى الصاحب إسماعيل (٥) بن عباد، أنه جارى أبا الفضل بن العميد في محاسن هذه (٥) القصيدة، حتى انتهى إلى هذا البيت، فذكر له في أن قوله: " أمدحه أمدحه، معيب، لثقله من جهة تدارك حروف الحلق.
= ثم فصد أكحله.
والاكحل - كما في اللسان ١٤ / ١٠٥ " عرق في اليد يفصد، وفصده: شقه وقطعه ".
وفى م، ا " قطع الاكحل ".
وقال أبو العلاء المعرى في عبث الوليد ص ١٨٥ " سكن راء طرفة متبعا لابي تمام في قوله: " والاعشيين وطرفة ولبيدا.
وذلك ليس يحسن ... وتغيير الاسم بالتصغير أحسن من هذا التسكين.
وبعض الناس ينشد: " وكذا عبيد حين أوجس ضربة " وبعضهم يقول " وكذا طريفة " ولم يضعه البحترى إلا على أن طرفة الذى قد خاف القتل فاختار قطع الاكحل.
ومن رواه " وكذا عبيد " حمله على أنه عبيد بن الابرص، قتله بعض ملوك الحيرة، قيل، عمرو بن هند، وقيل: النعمان في يوم بؤساه، فكأنه لما أشرف على القتل هان عليه ما لاقى طرفة، أي ذلك يسير عند ما فعل به "
(١) ا: " الاسعاف " (٢) م: " وكذلك " (٣) سورة الشعراء: ٢٢٤ - ٢٢٦ (٤) ديوانه ص ١٢٩ من قصيدة يمدح بها موسى بن إبراهيم الرافقى (٥ و ٥) الزيادة من ا، م (*)