فأبان عن أوجه دلالتها على الاعجاز.
ويعنينا أن نذكر هنا ما قاله عن توفر الدواعى، و " الصرفة " لما للاولى من دلالة خاصة، ولاهمية الثانية.
قال: " وأما توفر الدواعى فتوجب الفعل مع الامكان لا محالة، في واحد كان أو جماعة.
والدليل على ذلك أن إنسانا لو توفرت دواعيه إلى شرب الماء بحضرته، من جهة عطشه واستحسانه لشربه، وكل داع يدعو إلى مثله، وهو مع ذلك ممكن له، فلا يجوز أن لا يقع شربه منه حتى يموت عطشا لتوفر الدواعى على ما بينا.
فإن لم يشربه مع توفر الدواعى له دل ذلك على عجزه عنه، فكذلك توفر الدواعى إلى المعارضة على القرآن لما لم تقع المعارضة دل ذلك على العجز عنها "
وقال عن الصرفة: " وأما الصرفة فهى صرف الهمم عن المعارضة.
وعلى ذلك يعتمد بعض أهل العلم في أن القرآن معجز من جهة صرف الهمم عن معارضته وذلك خارج عن العادة كخروج سائر المعجزات التى دلت على النبوة.
وهذا عندنا أحد وجوه الاعجاز التى تظهر منها للعقول " وختم كتابه بالاجابة عن سؤال أورده، فقال: " فإن قيل: فلم اعتمدتم على الاحتجاج بعجز العرب دون المولدين، وهو عندكم معجز للجميع، مع أنه يوجد للمولدين من الكلام البليغ شئ كثير؟ قيل له: لان العرب كانت تقيم الاوزان والاعراب بالطباع، وليس في المولدين من يقيم الاعراب بالطباع كما يقيم الاوزان بالطباع، والعرب على البلاغة أقدر لما بينا من فطنتهم لما لم يفطن له المولدون من إقامة الاعراب بالطباع.
فإذا عجزوا عن ذلك فالمولدون عنه أعجز " وقد ذهب الرماني إلى نفى السجع من القرآن، وتسمية ما فيه من ذلك فواصل لان الاسجاع عيب، والفواصل بلاغة، لان الفواصل تابعة للمعانى، وأما الاسجاع فالمعاني تابعة لها، وهو قلب ما توجبه الحكمة في الدلالة.
أعجاز القرآن للخطابي: ولد أبو سليمان: حمد بن محمد بن ابراهيم بن الخطاب البستى سنة ٣١٩ وتوفى سنة ٣٨٨ هـ وهو من أعلام الفكر الاسلامي في القرن الرابع الذين امتازت كتبهم