الاجتماع عليها والاشتراك فيها كُتِبَ عليهم، فامتنع من ذلك على وجه إيثار التخفيف عن الأمة، وقد يمكن أيضاً أن يكونَ عنى بقوله: "خشيةَ أن تكتَب عليكم " إنني أخاف أن يظن ظانّ بعدي من خليفة وإمامٍ أنها واجبةٌ في
شريعتي لمداومتي عليها فيُلزمَكم إيّاها ويأخذَكم بها وبالقول إنها مفروضةٌ
في الدين، وما قُلناهُ أولاً أقرب، لأن إطلاقَ القول إنها تكتَبُ وتُفرَض
عليكم إنما يُعقل منه أن يكتبها ويفرضها مَن له - تعالى - تعبُّد خَلْقه
وتكليفُهم وامتحانُهم، دون مَن ليس له ذلك ممن يُظَنّ أن الله قد فرض
وكتب على خلقه ما يدعوهم هو إليه، وكل هذه الأسباب مأمونةٌ بعدَه - صلى الله عليه وسلم -، وفي إقامتها والاجتماع عليها ولها من الفضل والانتفاع بها ما قدمنا وصفَه، فبطل بذلك جميعُ ما توهموه قادحاً في فضيلة عمرَ بهذا الباب وإضافة بدعة إليه، وأنه شرعَ في الدين ما ليس منه.
فإن قال قائلٌ: جميعُ ما ذكرتموه من أخبار الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحث على حفظ القرآن وإقرائه له، الشهادةُ الحق، وكلمةُ التوحيد، وتعليمُه إياه كلَّ داخلٍ في الإسلام، وقراءته على الوفودِ أيامَ المواسم، وحفظُ خلقٍ من أهل الكفر لكثيرٍ منه، فضلاً عن المسلمين بحفظ النساء والصبيان له، وإنفاذ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - خلفاءَهُ ودعاته به إلى البلاد، وسبقِ الأنصار بحمله إلى المدينة قبلَ الهجرة، وحصول قُرّاء له عندَهم ومنتصِبِين لإقرائه الناسَ قبل مُهاجَره وظهور تسميةِ حُفّاظه بأنهم أهلُ القرآن، وأهلُ سورةِ البقرة، ووجوبِ توافي هِمَمِ أهل الصُّفة على حفظه، وتشاغلِ سائرهم به دونَ غيره.
ومما رُوِيَ من تغليظ القولِ في نسيانه بعد حفظه، وشدة تفَلُّته
وعظيم المأثَمِ في تركه، إلى غير ذلك مما أطنبتُم في ذكره، يقتضي في
مستقِرِّ العادة وتركيب الطبيعة وما فُطِرَ الناسُ عليه أن يكون في الصحابة خلقٌ