الكتابُ، وأن السورةَ قد كَمُلَت واستقَرّت وتم نَظمُها ورتبت في مواضعها.
وجُمِعَت فيها آياتُها.
وإذا كان ذلك كذلك وجبَ بهذه الجملة أن لا يكونَ فيما رُوِيَ من هذه
الأخبار حجة تدفعُ ما قلناه، وأن يكون القومُ الذين قالوا ذلك وخبّروا بما
أخبروا به عن الاجتهاد وغلبةِ الظنّ وأمرٍ غير متيقَّنٍ وعلى قدر ما سمعوه
ممَّن قال: حفظتُ جميع القرآن، أو فلان قد حفظ جميعَه، والظنُّ في هذا
لا حجةَ فيه، وقد يمكن أيضاً أن يكونَ على عهدِ الرسول - صلى الله عليه وسلم - خلق كثير قد حفظوا القرآنَ وكتموا ذلك على أنفسهم ولم يُذيعوه ولا دعاهم داعٍ إلى إظهاره والتحدُّث به، ورأوا أن كتمانَه وتركَ المفاخَرةِ والتَّبجُّح به أولى وأفضلُ لأجل أن التزينَ بذلك قدح في العمل وشَوْبٌ ونقص يلحق صاحبه، وإن اتفقَ أن يقولَ ذلك قائل من الصحابة فلأجل سببِ يدعوهُ إلى ذلك غيرِ القصد إلى التزيُّن به والإخبار بكثرةِ علمِه وعمله، وعِظَمِ مرتَبته، هذا أولى الأمورِ بالصحابة.
وقد رُوِيَ ذلك عن جلّة منهم، فرُوِيَ أنّه قيل لعبد الله بن مسعود في
رجل يزعم أنه قرأ القرآنَ البارحة، فقال: "ما له إلا كَلِمتُه التي قال ".
ورُوِيَ عن تميم الداريّ أنّ رجلاً قال له: كم جزءاً تقرأ، فغضب تميم وقال: لعلَّك من الذين يقرأُ أحدُهم القرآنَ في ليلةٍ ثم يصبحُ فيقول: قرأتُ القرآنَ
الليلةَ!
هذا شأنُ القوم وشَجِيتُهم، فكيف يمكن مع ذلك استفاضةُ حال حفظة
القرآن واشتهارُهم به وهذه صفتُهم؟!
وقد رُوِيَ عن الحسن البصريّ أنه