وبظاهرِ الحال، وليسَ العلمُ بذلك أيضاً من فرائضِ الدين، ولا هو مما نصّ
الرسولُ على أمر فيه بيّنه وأشاعه وأذاعَه وقصدَ إلى إيجابه وإقامةِ الحجّة به.
فلذلك لم يَجُزْ ظهورُه عنه وحصولُ الاتفاقِ عليه وثبوتُ العلم به قطعاً يقيناً.
وقد يَحتمِلُ أن يكونَ كلُ قائلٍ مفن ذكرنا يقولُ إن ما حكمَ بأنَّ ما ذكره
آخرُ ما نزل لأجل أنّه اَخرُ ما سمعه مِن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في اليوم الذي ماتَ فيه، أو ساعةَ موته على بُعد ذلك، أو قبلَ مرضه الذي ماتَ فيه بيومين أو ساعة، وقد سمع منه غيرُه شيئاً نزل بعدَ ذلك وإن لم يسمعه هو لمفارقته له ونزولِ الوحي بقرآنٍ بعدَه، ويقد يحتمل أيضاً أن تنزلَ الآية ُ التي هي آخرُ آيةٍ تلاها الرسول - صلى الله عليه وسلم - عليهم مع آياتٍ نزلت معها، فيُؤمَرُ برسمِ ما نزلَ معها وتلاوتِها عليه بعدَ رسم ما أُنزل أخيرأ وتلاوته، فيظنّ سامعُ ذلك أنه اَخرُ ما نزلت في الترتيب، ويُحتمل أيضا أن ينزل عليه آية في الليل مُنع من أدائها وشُغِلَ بعُذرٍ عن ذلك وانتَظَرَ النهار، فلما أصبح أُنزلت عليه آية لا شيءَ نزلَ عليه بعدَها، ثم قيل له: اُتلُ عليهم هذه أولاً واكتبها ثم اتلُ عليهم بعدَ ذلك ما كان نزل قبلَها ومُرْهُم برسمه وإثباته، هذا ما لا سبيلَ إلى منعه وإحالتِه، فيظن سامعُ الأخيرِ من القرآن أنه آخرُ ما أُنزِلَ عليه، وليس كذلك، بل قد أُنزِلَ بعدَه ما قُدِّمت تلاوتُه وإثباتُه.
وإذا كان ذلك كذلك وكان الرسولُ لم يكشف ولم يفرض على الأمّةِ
علمَه، ولا أمره الله سبحانه بإلزامِهم ذلك وبيانِه لهم، ولا رأى ذلك من
مصالحهم ومراشِدِهم ولا مما تمسهم الحاجةُ إليه في دينهم: لم يجب أن
يَظهَرَ ذلك عن الرسول ولا أن يُنقَلَ نقلا متواتراً، ولا أن لا يُختلَف فيه ولا
يُعمَلَ الاجتهاد، وتُزحَمَ الظنونُ فيه، ولم يُرْوَ في شيءٍ من هذه الآثار إن كلّ
قائلٍ بمذهبٍ من هذه المذاهب سُئِلَ فقيل له يُقطع ويتيقّنُ أن هذا هو آخرُ ما