وليس قولُه - صلى الله عليه وسلم - لو قال: كلّ ما في مصحفِ عثمانَ كلامُ الله، تأكّدْ من قوله تعالى: (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا) . ٢٥) . (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) ، و (يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ) .
(وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) .
وقد ثبتَ أن ذلك على الخصوص بقول الله تعالى
وقولِ رسوله، وقولُ الأمّة في هذا سواءٌ في أنّه كلّه على الاحتمال للخُصوص
والعُموم، فإن لم يَظهَرْ معنى قولِ الرسولِ إن كلّ ما في المصحَفِ أو جميعَه
وسائرَه وقليله وكثيرَه وسوادَه وعمومَه وبوادِيه وخواتمَه أماراتٌ وأحوالٌ
يُضطر عندَها إلى مرادِه ومعرفةِ قصدِه إلى استيعابِ جميعِ ما في المصحف.
ولم يقطع على مراده ووقَفْنا، وليس هذا من الحجَّة ِ لثبوته والشكّ في خبرِه
على ما يظنّه بعضُ الجهّال بسبيل، ولكنه وقفٌ في مراده باللفظ المحتَمِلِ
لأمرَين ليسَ أحدُهما أولى به من الآخر لفقد الدليل على مراده به.
وإن كان ذلك كذلك وكنّا لا نعلمُ ضرورة لمشاهدةِ السلفِ وسماع
توقيفهم على أن جميع ما في المصحفِ قرآن منزَلٌ ورؤيةَ أماراتهم ومخرَجِ
خطابِهم ومعرفةِ أسبابِهم والأحوالِ التي صدر عليها خطابُهم، ولا يَنقُلَ من
يضطر إلى صدقهِ أنه عرفَ ذلك من قصد الأمّة واعتقادِهم لعمومِ إطلاقها.
كما نعلمُ ضرورة من دينها أنّ (تَبَّت يَدَاَ أَبي لَهَب) من القرآن، وأنّ قولَه:
(إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣٠) .
من القرآن: بانَ وظهر أنه لا جدوى ولا طائلَ لأحدٍ من التعلّقِ بإطلاقِ السلفِ لهذه الألفاظ، ولا سيّما مع قيامِ الدّليل على أنّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ليست من القرآن، وأن ما بينه الرسولُ صلى الله عليه منهُ لا يحتاجُ في إثباته إلى حصولِ إجماعٍ عليه، وإنّما يجبُ أن يكون متواترا، ومما يُعلم صحّتُه وبيانُ الرسولِ له اضطراراً.