كان يكرهُ أن يَقرَأ بالمعوذاتِ وحدها حتى يجعل معها سورةً، ولم يجب
لأجل ذلك أن يكون مجاهد منكراً لكون المعوذتين قرآنا، وكذلك عبدُ الله.
إن ثبت ذلك عنه، وقد قال الشافعيُ: إنه لا يُقتَصَرُ في الأربع ركعاتٍ على
فاتحة الكتاب وحدها، ولم يدل ذلك على أنها ليست بقرآنٍ عندَه وكذلك
حكمُ الناس والفَلَق عند عبد الله ومجاهدٍ في أنّهما لا يُفرَدانِ في الصلاةِ
والدرس عن غيرهما، ولا يُقرَآنِ إلا متَّصلتَين بسواهُما، وإن كانتا من القرآن
ال منزَل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإذا كان ذلك كذلك بطل ما التأوُّلُ عليه في إخراج المعوّذتين من كلام الله تعالى بهذا الضرب من التأويل.
وأمّا جوابُه لمن قال له: "إن العَوْذَ من القرآن " بأنّها ليست من القرآن.
فإنّه رد يدلُّ على إنكاره إن كان قد سُئِلَ عن ذلك في عَوْذةٍ ليست من
القرآن، وقال ذلك لأنه لم يسأل عن العَوْذةِ التي هيَ الفَلَقُ والناسُ أو هما.
وإنّما سُئِلَ عن عَوذةٍ ليست من القرآن، وليس كل عَوذةٍ رُوِيَت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من القرآن، وكان يجبُ لمتوَهم ذلك على عبد الله أن يتأمل ما الذي يُسأل عنه من العوذ وأن يستفهم عبد الله: أفيُ عوذة أنكرت كونَها من القرآن، الناسُ والفَلَقُ أم غيرُها، ولا يتسرعَ إلى اعتقاد الباطل فيه بالتوفهم والظن، فبطلَ أيضا التأوُّلُ عليه بهذا الجوابِ وإن كان قد وقعَ منه.
وأما التأويلُ عليه في جحدهما وإنكارهما بمنعِهِ تسميتَهما قرآنا - إن كان
قد امتنعَ من ذلك - فإنه أيضاً باطلٌ، لأنّ الله تعالى لو نصَّ لنا أو رسوله عليه السلام على أن لا يُسمى يوسفُ والرعدُ قرآنا لوجَبَ أن لا يُسميها بذلك لأجلِ السمع والاتباع، وإن لم يدُل تركُنا لهذه التسمية على اعتقادنا أنهما