منزلةً عن ذلك، فإنّه باطل لا تعلُقَ لهم فيه، وذلك أنّ إخبارَه عليه السلام
بأن القرآنَ منزَل على سبعةِ أحرفٍ وأوجهٍ من القراءاتِ كلها جائزة وحسنة
وصواب، لأنّها في الخبر، غير أنّه قد أنزَله على سبعةِ أحرفٍ هي أوجه أُخَرُ
منها أمر ومنها نهى ومنها وعدٌ ومنها وعيد ومنها قَصَصٌ وأمثالٌ وتحليل
وتحريم، فلا تكونُ هذه السبعةُ هي التي إذا اختلفَ المختلفون فيها وجعلوا
مكانَ كل شيءٍ منها غيرَه فقد أحسَنوا وأصابوا، بل لا يمتنعُ أن تكونَ هذه
السبعةُ الأوجهُ والأقسامُ قسما من السبعةِ الأحرفِ التي أنزلَ الله القرآنَ عليها، وباقي السبعة يصوبُ المختلفون فيها سوى هذا الوجه، ولا يمتنعُ غيرُ ذلك على ما سنشرحه فيما بعدُ إن شاءَ الله، وإذا كان ذلك كذلك بطلَ توهُّمُهم لتعارضِ هذين الخبرين، وإحالة هذا التفسيرِ على الرسول عليه السلام.
وأمَّا قولُهم: إن روايَتكم في هذا متناقضة لأجلِ أنكم قد روَيتُم عن
النبى - صلى الله عليه وسلم - أن القرآنَ نزلَ على ثلاثةِ أحرف، وأنه قال في خبرٍ آخر: "أُنزل على أربعةِ أحرفٍ "، فإنه أيضا لا شبهةَ فيه لعالم ولا تعلق، وذلكَ أن أولَ ما في هذا الباب أن الثلاثةَ والأربعةَ داخل في السبعة، فيمكنُ أن تكونَ هذه الأحرفُ أُنزلت أولاً فأول، وأُنزل منها ابتداءً ثلاثة فقط، ثم زِيدَ الرسولُ عليه السلامُ رابعَها، ثم زِيدَ ثلاثةً فصارت سبعاَ، هذا غيرُ ممتنعٍ لولا أن في لفظِ إخبارنا بأنَّه أُنزلَ على سبعةٍ ما يمنع هذا التأويل، ولكنْ لهم من الزيادةِ ما لم يُدخِلُوه في شيءٍ من اعتراضهم، وهو أنّ في كثيرٍ من الرواياتِ أن المَلَكَ قال: على حرفٍ أو حرفين، فقال المَلَك الذي معي عن شمال: على حرفين، فقال المَلَكُ: على حرفين أو ثلاثة، فقال:. على ثلاثة، إلى أن بلَغَتْ سبعةَ أحرف، وهذا اللَّفظُ يقتضي أن يكونَ قد أُقرىءَ بالسبعةِ جُملة، وشُرِعَ له ذلك في مجلسٍ واحد، على أنّه يُحتمَلُ أن تكونَ بعضُ تلك