واعتماداتِه على رؤوسِهم، وقد ذُكرَ في السيرةِ أن ولدَ نوحٍ عليه السلام
تفرقوا في الأرض، وكانت الأرضُ لساناً واحداً، فلمَّا ارتحلوا من المشرقِ
وجدوا بقعةً في الأرض سبعةً سَبِخَةً فنزلوا ثم جعل الرجلُ يقولُ للرجل:
هلمَ فَلْنُلين لبِناً فنحرّقهُ فيكونَ اللَّبِنُ حجارةً ونبني مجدلاً رأسهُ في السماء.
وذكرَ بعضُ من رأى هذه الحجارةَ أنّها حُمنٌ مخَتَمةً، وقال آخرون: بل هي
مخططة وذلكَ تسويمها، وهذا يزيلُ توهُّمَهم ويُبطل شبَههم.
قالوا: وممّا يدلُّ على تغيير القومِ لنظمِ القرآنِ وترتيبهِ على غيرِ ما أُنزلَ
ووضعِهم لأشياءَ منه في غيرِ حقها ومواضعها وجودُ الاستثناءاتِ منه
واردةٌ في غيرِ مواضعها وموجبةٌ للنقصِ وفسادِ المعنى والمقصود قالوا:
فمن ذلك قولُه: (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى) .
قالوا: وقد ثبتَ أنّ أهلَ الجنةِ وغيرهم أيضاً من الأحياءِ لا يصح أن
يذوقَ الموتةَ الأولى التي ماتوا بها في الدنيا، لأن الموتَ الذي كان في الدنيا
مضى وانقَضَى، ولا يجوزُ أن يُعاد ويُخلقَ مرةً أخرى، فيذوقهُ أهلُ الجنةِ ولا
غيرُهم.
قالوا: على أنه قد أخبرَ في غيرِ موضح، أنّ أهلَ الجنةِ لا يموتونَ أبداً.
ولا يألمونَ ولا ينقطعُ ويزولُ ما هم فيه من العيشِ السليمِ والنعيمِ المقيم.
ومَنْ هذه حَالهُ لا يذوقُ الموتَ جملة، لا الموتة الأولى التي كانت في الدنيا
ولا في غيرها، ووجبَ أن يكونَ قولهُ إلا الموتةَ الأولى استثناءً يفسُدُ من
وجهين: