وقال آخر:
يا ويحَ نفسي كان جلدة خلة ... وبياض وجهك للتراب الأعفر
فبدأ بخطاب الغائب ثم وصله بما يصلحُ للحاضر، وإن لم يجب أن
يُقاس على ذلك سائرُ ما ذكروه، وكذلك يحسنُ من الله تعالى استعمالُ مثل
هذا، وإن لم يُستحسن ذلك في كل موضع، وإذا كان ذلك كذلك بطل ما
تعلقوا به.
فأما قوله تعالى: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (١٧) .
وقوله: (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ) .
وقوله: (مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) ، (مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) .
فإنه واردٌ على طريقِ التقرير والتقريع للقوم، والاحتجاج على
من ادّعى على عيسى وأمه ما ادعت النصارى، وربما وردَ من هذا الباب لفظُ الاستفهام والمرادُ به التعجبُ نحو قوله: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (١) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (٢) .
كأنه قال: عم يتساءلون يا محمد؟! قال: عن النبأ العظيم يتساءلون.
وكذلك قوله: (لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ) ، جاء على وجه التعجب.
ثم قال: (لِيَوْمِ الْفَصْلِ (أجلت) ، وما ورد منه على وجه التوبيخ نحو
قوله تعالى: (أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ) ، ومذهبُ العرب في
هذا معروفٌ إذا قال قائلهم: تعرفني، أتدري من أنا، على مذهب التهديد.
فلا تعلق لأحد منهم في هذا الباب.