فيمكن أن يكون أراد لا بيعُ فيه ولا خلة أي لا خلة مبتدأة، مستأنفة لما
الناسُ عليه من شغل العرضِ والحسابِ والجزاء والثواب والعقاب.
ويُحتملُ أن يكون أراد به لا خلةَ في الآخرة بين أهل النار، فكَأنه قال الأخلاءُ في الدنيا يومئذ أعداء لا تنفعُهم خُلَّتُهم التي كانوا في الدنيا عليها، ولم يُرد إثباتَ الخلة في الآخرة ِ من حيثُ نفاها فتعالى عن ذلك، فبطلَ ما قالوه.
وأما قولُه: (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ) .
وقولُه: (حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) .
فلا تناقضَ بينَه وبينَ قوله: (عَلَّامُ الْغُيُوبِ) ، و (بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) .
ونحوُه، لأنه عنى وهو أعلمُ إلا لتعلمَ أنتَ يا محمدُ ويعلمَ الذينَ معكَ فذكرَ
نفسَه وأرادَ غيرَه، وذلكَ شائع في اللغة، والقائلُ بقولٍ يُريدُ أن يفعلَ كذى
ليعَلَم ويحَتَج لكذى، ليعلمَ مَن المحق من المُبطِل، والقوي من الضعيف.
أي: ليعلمَ ذلك منَ شك فيه دون المحتج المتقدم العلمُ بصحةِ ما يُحتج له.
ويُحتمل أن يكونَ أرادَ بقولهِ إلا ليَعلمَ أتباعُ الرسولِ ممن يتبعهُ ممن هو
كائن موجود، فإنه قد عَلِمَه قبلَ كونه متيقنا معروُفا وهو يَعلمهُ إذا كان.
ووجد ثابتا موجوداً، وكذلكَ قولهُ: (حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ) ، أي حتى تعلمَ أنت وهُم أو حتى نعلمَ المجاهدينَ مجاهدين، ونعلمَ جهادَهم كائناً
موجوداً، لأنه يعلمُه قبلَ وجودهِ معدوُما ويعْلَمهُ إذا وجُد كائنا موجوداً.
والتغييرُ والوقتُ جاري على معلومهِ لا علي نفسِه تعالى وعلمِه، لأنه لم يزل
بصفاتِ ذاتِه غير متغيرِ ولا حائلٍ على صفته، والعلمُ من صفاتِ نفسِه.
وقيل إن اللهَ تعالى لما أمرهم باتباع الرسولِ ونهاهُم عن المفارقةِ
والانقلابِ علي الأعقاب، قال: (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ) ،