وقد تظاهرت الروايات بأنّ المضِل من الجن إبليس، والمضِلّ
من الإنس ابنُ آدم الذي قتل أخاه.
وأما إضلالُ فرعونَ لقومه، فإئما هو الدعوةُ إلى الضلالِ وإلباسُه عليهم
بالشبهات وإشغالهم عن تأمل آيات موسى بقوله: (يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا)
، ومنه قوله: (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَ) ، وبقوله: (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) .
يوهم بذلك أنّه قادرٌ على قتله وأن ربّ موسى لا ينفعُه.
ومنه قوله: (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٥١) .
يوهمُ بذلك أنّ هذه صفةُ من ينبغي أن يُعبد.
وقوله: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (٢٤) .
وقوله: (فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٣٨) .
يوهِمُ قومه أنّه ينادي صاحبَ الخضر أو يشغلهم ببناء الصرح عن النظر في آيات موسى وتصديقه، ويتحمل في المدافعة بالأوقات.
ومنه قوله: (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (٥٢) .
يعني: موسى لأجل لثغةٍ كانت في لسانِه، وعقدة، فعابَه لأجلها بأنه لا يُبينُ عن نفسه، ثم قال: (فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (٥٣) .
يوهِم أنّه لو كان عظيمَ الشأنِ لكان مسوَّراً بسوارٍ من ذهب، لأنّه كذى كان شأن العظيم إذا ارتفع منهم، أن يسوّر سوارا من ذهب، فهذا قدرُ طاقةِ فرعونَ ومبلغ ما عندَه في إضلالِه
فأما أن يكون له سلطان على القلوبِ والنفوسِ والإضلالِ بما ينفردُ اللهُ
سبحانَهَ بالقدرةِ عليه من ذلك فمعاذَ الله، وقد قال الله تعالى: (وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (٣٧) .
ولو أمكنه إضلالُ أحدِ لأضلَّ موسى وقومه.
مع إيثاره لذلك وحرصِه عليه، ولكن ذلك ليس إليه ولا داخل تحت قدرته.