فأخبرَ عنه أنه أضافَ فتنتَهم وضلالَهم إليه، وأنه يُضل بها من يشاء ويهدي بهداه من يشاء، هذا مع المرويّ عنه في التفاسير
ممّا قد بينّاه، ومن قوله: "فممن الخوار، قال: مني يا موسى، قال: إن هي
إلا فتنتك تضل بها من تشاء"، وهذا تصريحٌ منه بمذاهبِ أهل الحق التي
أخبرنا عنها، ومثلُ هذا أيضاً قولُ موسى: (رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) .
وأخبر تعالى بمثلِ هذا بعينه عن نوع عند ذكر قصته مع قومه وكثرةِ
دعائه لهم فقال تعالى: (قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٣٣) وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٣٤) .
فأخبرَ عنه أنه اعتقد وقال إنَّ نصحَهُ غيرُ نافعٍ لهم، إن كان
اللهُ يريدُ أن يغويَهم، ولو لم يجزْ أن يعذبهم الله، وأن يزيدَ غيَّهم وضلالهم
يُضف إرادة ذلك إليه سبحانَه، ويحيلُ عليه ضيق المقاليد بالأمر عليه، ولو
تُتبعَتْ قصصُ الرسلِ وأقاويلُهم لوُجِدت جميعَها شاهدةً بما قلناه، وليس
يجوز أن يكونَ لرسولٍ من الرسل قولٌ ومذهبٌ في القدَر وخلقِ الأفعالِ
والهدى والضلالِ يخالفُ مذهبَ نوح وشعيبٍ وموسى عليهم السلام، لأنّ
ذلك يوجبُ تكذيبَ بعضَ أنبياء الله لبعض، واعتقادُ بعضهم فيه تعالى ما لا
يليقُ به، ولا يجوزُ في صفتِه وقد نزههمُ الله عن ذلك، ورفعَ أقدارهم وعظمَ
بالإيمان والتقدم في العلم به على سائر الخلقِ شأنُهم ومكانُهم.
وكيف لا يكون هذا قولَ الرسلِ ودينهم في الله تعالى، وهم يسمعونه
يقولُ في كتبهم مثلَ الذي قالَه لرسولنا في كتابه، وما هو بمعناه مما حكاه