لزوم أماكنكم وانصرافِ الرماةِ منكم يوم أُحدٍ لطَلبَ الغنيمة، وتَركهم الصفَّ حتى أعَقَبكم ذلك السيئة التي هي الهزيمة.
قال اللهُ تعالى في قصة أحد: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ (يعني ما أصابكم
يوم أحد) قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا (يعني يوم بدر) قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا (يعني ما أصابكم يوم أحد) قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} أي: عقوبة بما كان من
عصيانكم لأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - للرماة منكم بلزوم مركزهم فلمّا انكشفَ العدوُّ قال الرماةُ أو بعضهم: نخاف أن يجعلَ رسولُ اللهِ لكل قاتل وكل إنسانٍ ما يصيبُه من الغنيمةِ وسَلْبِ من قَتلَهُ ففارقوا مكانَهم واختلَطوا بالمشركين، ودخَلوا رجالاتهم، وأصابَ المشركون فرصة وخللاً في الصف، فَانْثنَوْا عليهم وكان ما كان من هزيمتهم، فالملحد يقدرُ أن هذه الآية نقضٌ لإخبار اللهِ سبحانَه عن نفسهِ بأنه يُضل ويختم على القلوب، والقدريُّ يتوهم أنها معارضة لما يحتج به أهل الحق ونافية لكون السيئات التي هي المعاصي من عند الله، فإن الله سبحانَه ما عرضَ لشيء من ذلك، وإنما تأويلُ السيئةِ الشدةِ والمصيبة.
قال اللهُ سبحانَه: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا) ولم يُرد
أصابتكم ذنوب أصبتم مثليها، وقال: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (٣٠) .
يريدُ من شدّةٍ ونقمةٍ ولم يرد ما أصابكم من مصيبة فبما كسبتم من معصية، فوجب أن يكون التأويل في ذلك على ما وصفناه
وأن لا يكون للملحد والقدري في الآية تعلق.
وقد قيل إن تأويلَ الآية أن القومَ كانوا إذا أصابَهم الجدْبُ والشدة قالوا
هذا من عند محمدِ وبشؤم طائره، وإذا أصابهم الخصبُ والرخاء قالوا هذا
من عند الله وبرَّأوا الرسول منه غضًّا من قدره وتطيُّراَ به، فأنكر الله تعالى