منهم أجمعين في الآخرة اضطراراً فيكون وما خلقنا بمعنى وما يخلق في
المستقبل كما قال: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا) ، يعني عاقبةُ أمرِه وهم إنما التقطوه ليكون لهم حبيباً، وكذلك
قولُ الشاعر:
أموالُنا لذوي الميراثِ نَجْمَعُها ... ودُورنا لخرابِ الدَّهرِ نبنيِها
يريدُ أن ذلك عاقبةُ أمرِها، ولم يردْ أن المالَ يجمعُ للوارث، وأن الدور
تُبنى لخرابِها وكذلك قولُه: (إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا) ، أي ما يكونُ خمراً ويؤولُ حالُه إلى ذلك، وإذا كان ذلك كذلك بطلَ ما ظنّه
الملحدون من تعارض، وما ظنّه القدريّة من التأويل.
ومما يدلُّ على ذلك أيضاً أنّ أهلَ التأويل قالوا: إنَّ قوله (إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) .
أي لكي يعبدون، وكلُّ كي من اللهِ تعالى فهي نافذةٌ واجبة، وإن كانت غيرَ
نافذةٍ ولا واجبةٌ من المخلوقين في جميع الأحوال قال تعالى: (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (٩٧) .
وقد يسَّر به وأنذر ونفذَ الأمرُ فيها كما أخبر، وقال تعالى: (فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) ، وقد قدر ذلك.
وكذلك قوله: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (١) .
وقد كان وتمَّ وقامت حجةُ النذارةِ به، في أمثال لهذه الآيات كثيرةٍ قد تم
وانبرمَ فيها خبرُ كي، لأنها من الله تعالى واجبةٌ نافذة، فلو كان الله أرادَ أنه
خلقَ جميعَ الإنس والجنِ لعبادتهم له، ولم يمتنع أحد منهم من عبادته، ولكنه تعالى أرادَ البعضَ منهم دون الكل.