فإذا أمكنَ تخريج هذا على بعض مذاهب المسلمين، فقد خابت آمالُهم
وانقطعَ رجاؤُهم وزالَ إشغابهم، وصحَّ أن القرآن هدىَ ونورٌ منزلٌ من عند
حكيمِ عليم.
وأمَّا تعهفُقهم بقوله تعالى: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ) ، وأنه نَقَضَ ذلكَ قولَه: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) ، لأن هذا تصريحٌ بأنه خَشِيَ الناسَ
ولم يَخْشَ اللهَ أو كاد أن لا يخشاه، وهو نقيض الخبر الأول، فإنه مما لا
تعلُّق لهم فيه من وجوه:
أحدها: أن في الناس مَنْ يحملُ هذا على أن اللهَ سبحانَه حكى قولَ
رسوله لزيدِ بنِ حارثة، وأنّه كان يعظُه بمثل هذا الكلام، وبقوله: (وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ) ، كأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال لزيد: وتخفي في نفسكَ ما اللهُ مبْديه، وقال له: (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) ، وليس هذا بعتاب للنبي صلّى الله عَليه ومثلُ هذا التأويل سائغ غير بعيد.
والوجه الآخر: أنّه قد كان أوحِيَ إلى النبي صلى اللهُ عَليه أن امرأةَ
زيدِ تكون زوجةً لك فكَتَم هذا ولم يُخبِر به زيداَ ولا غيره، مخافةَ أن يتسرع
زيدٌ إلى طلاقها إذا عَلِمَ رغبةَ الرسول فيها، وأن يقولَ عند ذلك المنافقون
أمَرهُ بطلاقِها، وفرَّق بينَه وبينَها، ثم تَزوجها، ويجعلون ذلك وصمةَ ومطعناَ
وذريعةَ إلى الغَميزة عليه والقَدْحِ في فضلِه، فيجب لذلك الإخبار بما أنزل
اللهُ عليه فأخبر به خَشْيةَ ما ذكرناه فقال: (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ)
أي: لا تخف في إظهار ذلك، فإنهم لن يضروك بشيءِ خِفْته.