الخَلقِ في مدة خمسينَ ألفَ سنة، فصار لذلك أسرعُ الحاسبين.
وقد رُويَ عن عبدِ الله بنِ عباسٍ أنه قال: قوله: (أَلْفَ سَنَةٍ) يعني به نزولَ جبريل من السماء إلى الأرض، وقوله: (مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) يريد قدرَ نزولِه من العرش إلى الأرض وصعودِه إليه، لأن ما بينَ العرش إلى الأرض أضعافُ ما بينَ السماء إلى الأرض ".
وقد يجوز أن يكون عنى بقوله - وهو أعلم - خمسينَ ألفَ سنة، أنّ الناسَ
يَلحقَهُم من الشدة والهَول أمر عظيمٌ كما يقول القائل كأنَّ يومَنا هذا سنة.
وكانت ليلتي شهراً يعني بذلك ما نالَه فيها من الشدة، فيعبّرُ عن ذلك بالطول.
فأمَّا ادعاؤُهم التناقضَ في قوله تعالى: (رَب اَلمشَرِقِ وَاَلْمَغرِبِ) .
و (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) ، و (بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ) .
فإنّه باطلٌ من وجوه:
أحدها: أنه يمكن أن يكون أراد بالمشرق والمغرب اسمَ الجنس العام
لكل مشرقٍ ومغرب، فيكون المشرقُ والمغرب على هذا التأويل هما
المشارق والمغارب وهذا نحو قوله: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) .
و (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) ، والإنسانُ ونحوُ ذلك مما يُراد به الجنس
دون الواحد.
وقد يتأوَّل الناسُ ذلك على تأويلٍ صحيحٍ لا تناقضَ فيه، وهو أنه إنما
أراد بربِّ المشرق والمغرب اليومَ الذي يستوي فيه الليل والنهار، فتشرقُ
الشمسُ فيه في مشرق واحدٍ في ذلك اليوم، وتغربُ في مغربٍ واحدٍ أبداً في
ذلك اليوم إلى أن تعودَ إلى الشروق والغروب فيهما لا يعودُ إلى مثلهما إلا
بعد حولٍ في ذلك اليوم.