علامةً على الكفر والإيمان إذا قال الرسولُ لا يدخل هذه الدار إلا مؤمنٌ بالله
وبرسوله، أو كافرٌ بالله وبرسوله، لا لأجل تضمُّن الأكوانِ التي هي دخولُ
الدارِ لوجودِ الإيمانِ بالله أو الكفر به على ما بيناه في غير أهل الكتاب، وكل
مُخبر من أهلِ الكتاب المُظهرُ لليهودية وغيرها من الملل، إما أن يكونَ
جاحداً بقلبه ومُظهراً بلسانه ما ليس فيه أو يكون مُخبراً عن اعتقاد موطن
لوجودِ الباري وقدمِه وتوحيدِه، وتقليدٍ منه في ذلك، وهو يظنّه علماً.
فيكونُ لذلك جاهلاً بالله وغيرَ مؤمنٍ به، وإذا كان ذلك كذلك بطلَ قولهم إنّ اليهوديَّ مؤمنٌ بالله واليوم الآخر، هذا جوابنا.
وقد أجاب قومٌ عن ذلك بأن قالوا إنما أراد بقوله في صفةِ اليهود وأهلِ
الكتاب بعد قوله: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) ، بأنهم لا يؤمنون بالله أن أفعالهم، أفعالُ من لا يؤمنُ بالله ويضاهون أفعالَهم وطرائقَهم، فيكونُ ذلك على طريقة التشبيه لهم بمن لا يؤمنُ بالله، لا على نفي الإيمان عنهم على التحقيق، كما يقولُ
القائلُ: هذا الظالمُ الجبارُ لا يؤمنُ بالله، أي: فعلُه وطريقتُه فعلُ من لا يؤمنُ
بالله على مذهبِ التشبيه.
وأجاب آخرون عن ذلك بأنهم قالوا: إنما عنى بقوله: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) الذين ابتدأ بذكرهم في قوله: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) ، فقال: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) ، فحذف تكرارَ لفظة الذين، وقد يُكرَّرُ هذا اللفظ تارةً ويُستثقلُ تكراره أخرى، ويُقتصرُ على ذكره دفعةً واحدةً على وجهِ الحذفِ والاختصارِ.
وإذا كان ذلك كذلك بطل ما تعلقوا به في هذه الآية ِ من جميع الوجوه.