والراسخون في العلم، وليس يحفظُ عن أحدٍ منهم أنه قال: لستُ أعرفُ
معنى هذه الكلمة ولا رسول الله، ولا أحد من علماء الأمة، وإذا كان ذلك
كذلك بطل شغبُهم وزال توهمهم.
فأمَّا قوله: (الم @، (الر، (حم) ، (عسق، (كهيعص) .
ونحوه من الحروف المقطعة في أوائل السور، فقد اختلفَ الناسُ في
تأويلها، فقال بعضهم: إنها من المتشابه الذي لا يعْلمُ تأويلَه إلا اللهُ
سبحانه، وهذا باطل بما قدمناه من قبل، ومن قال إن معناه معروف عند أهل
العلم في ذلك أقاويل.
فقال بعضهم: هي أسماءُ السُور وبمثابة الأسماء الأعلام الموضوعة
للأشخاص.
وقال آخرون: إنها أقسام أقسم الله بها لأجلِ تضمنها لأجل ما
سنَصِفُه بعد ذكر الخلاف.
وقال آخرون: هي حروف مأخوذة من أسماء الله تعالى وصفاته، وكل حرفِ منها كناية عن اسمِ هو منه.
وقال بعضُ من تكلم في هذا الباب: هذه الحروفُ كناية عن حسابٍ
كحساب الجُمَّل، وأن كل حرفِ منها لقدرٍ من عددِ سنيَّ بقاءِ أمةِ محمدٍ
صلى الله عليه، وقال آخرون: معنى التكلم بها وجعلها في أوائل السور
أن قومَ الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانوا يلغون في القرآن ولا يسمعون له ويصدون عن سماعه وفهمه قصدًا للطعن فيه والصَّدف عنه، فأرادَ الله أن يبدأهم بهذه الحروف المقطعة، ليفرغوا لذلك ويصغُوا إليه ويستكثروه ويطمَعوا في أن يقول بعضُهم لبعضٍ اسمعوا ما يقولُه ويهذي به، وإذا نصتوا له أقبلَ عليهم بالقرآن ووالى حكمَ الكلام وفصيحَ الخطاب بعدَ ما صرفَهم بالحروف المقطعة عن اللغو والإعراض.